سبعة أعوام على تشكيل جبهة 18 أكتوبر مرّت دون أن يَبْقَى الحال على ما هو عليه، و دون أن يتغيّر جذريّا.. إلتقاء رموز المعارضة سنة 2005 في جبهةٍ اختارت مقاطعة الدّكتاتوريّة و تكذيب "البروباكندا النّوفمبريّة" التي كانت تصوّر للعالم أنّ تونس بلدَ أمنٍ و أمان؛ إلتقاءٌ كان و لا شك شوكة في حلق نظامِ نجحَ إلى حدٍّ بعيد في خَلْقِ فلسفةِ الاستقطاب الثنائي و تخيير المواطن بين أحلى الأمرَيْن. «إمّا أن تكون معي ضدّهم أو أن تكون معهم ضدّي" إستقطابٌ عِشْنَاه طويلا و خلق شيئا من التّصحّر السياسي في تونس و العُزلة للبعض في المنافي.. و لكن 18 أكتوبر 2005 و الّذي كان ضرورةً إستراتيجيّةً في ظرفيّةٍ إستراتيجيّةٍ نجحت إلى بعيد في توحيد صفوف المعارضين الحقيقيّين حتّى و إن تَبَايَنَت إيديولوجيّاتهم.. هذا التّوحّد مثل صفعةٍ قويّةٍ للنّظام الحاكم آنذاك فلا يمكن إتّهامهم بالرّجعيّة و الإرهاب في ظلّ وجود التّقدّميّين و الشّيوعيّين و لا يمكن إتّهامهم بالحداثويّة و العَمَالة في ظلّ وجود حقوقيّين و ممثّلين عن حركة النّهضة "إسلاميّة" الإيديولوجيا.. قوّة الصّفعة لا تكمُنُ و حسب في فسيْفساء الأفكار و القَناعات، بل أساسا في تزامنها مع استضافة تونس للقمّة العالميّة للمعلومات و الّتي كان النّظام يعوّل عليها لمزيد تسويق صورته المزيّفةِ وطنيّا و دوليّا.. و لعلّ دعم المنظّمات الحقوقيّة في تونس و نشاطها الدّولي في هذا السّياق لخطوة 18 أكتوبر ساهم في إرباك الدّكتاتوريّة و فضح صورتها، إلّا أنّه ورغم فشل التّجربة نسبيّا في فرض واقعٍ سياسيٍّ جديد فإنّها كسرت مع ثُنَائيّة الإستقطاب و نجحت في توحيد الفُرَقَاء ضدّ عدوّ واحد هو الدّكتاتوريّة. و اليوم تشرق شمس الثامن عشر من أكتوبر 2012 دون دكتاتور _ مبدئيّا على الأقلّ_ إلّا أنّ رفاق النّضال اصطفّوا الآن في مُعَسْكَرَيْن .. وصار بعضهم يُشَكّلون الترويكا الحاكمة و البعض يشكّلون المعارضة. قد يكون اختلافهم الإيديولوجي مُرْتَكَزًا منطقيّا لهذا الإصطفاف إلّا أن ما وحّد بينهم في الأدنى المطلوب ضدّ الدّيكتاتوريّة لم ينجح و لو ظرفيًّا في توحيدهم من أجل إرساءٍ فعلي للديمقراطيّة و تأمين مرحلة الإنتقال. اليوم تقف الترويكا متمسّكة بشرعيّة إنتخابيّة و تصطفّ المعارضة وراء "حزبٍ جنيني" (نداء تونس) لنجد أنفسنا مرّة أخرى أمام ذات الإستقطاب الثّنائي الّذي يَفْرِض عليك أن تكون كالمُسْتَجِير من الرّمضاء بالنّار.. و حتّى محاولات خلق الخيار الثالث (الجبهة الشّعبيّة مثلا) لم تنجح إلى حدّ الآن في خَلْقِ التّوازن السياسي المطلوب.. لنبقى أمام الوضعيّة ذاتها"أنا مع هذا لأنّه ضدّ الآخر".. و "أنا أختارك لأنّك ضدّه" و هي نفس مصطلحات العهد القمعي الّذي خِلْنا أنفسنا وَدَّعْنَاهُ ذات 14 جانفي.. الثامن عشر من أكتوبر 2005 أسّس لفكرة نبيلة... فهل يُمْكِنُ إعادتها في 18 أكتوبر 2012؟؟؟ و لماذا نتّحد ضدّ الدّكتاتور رغم اختلافاتنا و لا نُجِيدُ الاتّحاد من أجل تونس رغم ما يجمعنا من احترام؟؟ ... سؤالٌ لمناضلي أمس و ديمقراطيّي اليوم..