عهدان مرا علينا بعد "الاستقلال"، عهد المجاهد الأكبر وقائد الجهادين ومحرر البلاد ووو ... إلخ، وعهد سلفه بطل التغيير وصانع مجد تونس ووو ... إلخ، وكان الشعار الأساسي للعهدين هيبة الدولة والأمن !! ... زُرعت فينا هيبة الدولة وتشرّبنا احترام "الأمن" حتى ثملنا وسكرنا... حتى أننا من شدة وطنيتنا واقتناعنا بمركزية ذلك الشعار في حياتنا لم نكن نبالي أن تُكسر عظامنا في سبيل تحقيق هيبة الدولة بالمفهوم الذي أراده الزعيمان الخالدان! ... سلّمنا أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب! ... حتى خلف من بعدنا خلف غريب، ونبت عجيب أراد أن يتخفّف من واجب "الهيبة" والواجب المتمم لها فكانت بدعة ما سُمّي بثورة الشباب الذي لم يهرم، وواجه بصدوره العارية رموزا هرمت ورؤوسا شابت في التخطيط لفرض هيبة الدولة وسطوة الأمن! ساعة وساعة والحرب سجال اندفاع الشباب يكسب جولات ولكنه قصير الأمد! ... أو هكذا يظن "الشيوخ" بدهائهم وتمرسهم على الالتفاف عن مطالب الشباب! لا بأس ... تريدون "إسقاط النظام" ... أسقطناه! ... حلّ "الحزب" حلّيناه! حلّ أمن الدولة والأمن السياسي حلّيناه! ... وتريدون وتريدون وتريدون ... ونحن نستجيب ونستجيب ونستجيب! ... أنتم تطلبون بالكلام ونحن نستجيب بكلام ومن العدل أن يكون الكلام بالكلام! وأما الأفعال فتقابلها الأفعال!! ... تعتصمون نفرقكم من أجل هيبة الدولة واحترام الأمن! ... تتظاهرون نشتتكم من أجل استمرار الحياة ودوران العجلة! تردّون على الغاز بالحجارة نردّ على حجارتكم بالرصاص ولابد لهيبة الدولة أن تفرض و"لصولة "الأمن أن تسود! يا أبناءنا اسمعوا وعوا وأعلموا أن ثورتكم استلمتها أيادي أمينة محنكة مجربة! بعضها مال مع رياح الثورة بعد أن اقتلعت "المخلوع" وحولته لديهم من "ابن تونس البارّ" إلى العاقّ الهارب! ... وأما بعضها الآخر فهو كالمسامير ادّخرها الحزب "الحرّ" ليوم "كريهة" كيومكم هذا! ... ولا بأس فهي مسامير صدئة ولكن صدأها مطلوب لجدواها، حتى إذا غرست عسُر اقتلاعها! آن لكم أيها الشباب أن تعقلوا وتُسلّموا "خطامكم" لشيوخكم فهم أقل اندفاعا وأكثر حكمة، وهو ما تحتاجه المرحلة! ... ألا تريدون أيها الشباب أن تكون تونسنا رائدة مرتين؟ ... مرة حين أشعل شبابها ثورة الحرية والكرامة وكانوا بذلك نبراسا لبقية الشعوب؟ ... ومرة حين خرج "الشيوخ" من مخابئهم ليحيلوا طوفان التحرر إلي ساقية مهذبة ومنظمة مرسوم مسارها مُقدّر مآلها؟ ألا ترون أن الطوفان يهدم ويقتلع الأخضر واليابس وأما الساقية فتسقي الزرع والضرع بالقطرة والمقدار! وإن لم يعمّ خيرها كل الزروع والضروع ؟؟!! اللهم اجعل هيبة دولتنا وأمنها بردا وسلاما على شعبها ولا تجعل أوّلها نقمة وآخرها حصرة وأوسطها مكرا! ... وعاقبتها "نرجعوا وين كنّا قبل الشواء والدماء"!! صابر التونسي