بشرى لتونس البنفسجية فقد شرع رئيسها الجديد في تطبيق برنامجه الانتخابي المتضمّن لأربع وعشرين نقطة، بادئا بالنقطة الخامسة والعشرين التي لمّح إليها في الكلمة التاريخية التي ألقاها ليلة الانتخابات. وقال فيها إنّه سيطبّق "القانون" بحزم على جميع المفترين والمحرّضين والخونة والمشكّكين. القانون مدارس، والمادة التي طبّقت على سليم بوخذير في الليلة الفاصلة بين 28 و29 نوفمبر الجاري تنتمي إلى قانون عرفي غير مكتوب، ولكنّه الأكثر تطبيقا ويسمّيه بعضهم من المشككين قانون الغاب. كنت في البيت بمفردي، وقد جلست أنظر إلى شريط الأنباء البنفسجي بعد أن أحكمت إغلاق جميع الأبواب تجسبا من المادة الخامسة والعشرين من البرنامج الرئاسي حوالي الساعة الثامنة والنصف والقناة البنفسجية مازالت تستعرض برقيات التبريك والتأييد. سمعت جرس الباب يقرع بشدّة وإلحاح وكأنّه يصرخ "النجدة.. النجدة". ولمّا فتحت الباب رأيت في عتمة الحديقة شبح رجل شبه عار حافي القدمين يلوّح بذراعيه النحيفتين كغريق يتخبّط التماس النجاة، فإذا هو سليم بوخذير في حالة يرثى لها، وأسمع ما يقول "لقد قتلوني يا أم زياد، لقد كسروا عظامي ونزعوا أدباشي وافتكّوا أوراقي وهاتفي ونقودي.."، ولمّا يتذكّر النقود يطلب منّي دفع أجرة "التاكسي" الذي حمله. أنقد السائق وأنا أدعو على النظام فيتنهّد السائق ويقول "آمين" وأعود إلى سليم. لم يتركوا موضعا في وجهه ورأسه وذراعيه وظهره... زرقة وحمرة وانتفاخ ودم يسيل من الفم. الفم!! إنّه هو سبب البلاء. فم سليم بوخذير كان تفوّه قبل ساعات وعلى موجات إذاعة البي بي سي بما ينافي الحياء الذي أشار إليه رئيسنا الجديد في كلمته التاريخية المذكورة آنفا، إذ تكلّم عن حالة حية الصحافة في تونس ومعاناة الصحفيين وعن سيدة تونس الأولى. ضاربو سليم بوخذير تكلّموا وهم ينفّذون فيه "القانون" عن سيدة يجب عليه أن يتركها وشأنها لأنّها سيّدة متزوّجة ولأنّه هو سليم بوخذير عنده "صْغيْرات"، يا لرحمة الجلادين ولرقّة قلوبهم وما أروع خطابهم المشفّر... إنّهم شعراء في مجالسهم ! لقد هربت بعيدا عن سليم لأخفي عليه دموعي (نعم يا أوغاد فرقة الأنياب الإعلامية أنا أبكي لآلام غيري ولآلام هذه البلاد وأدام الله عليّ هذه الصفة الآدمية) ولكنّ سليم أبى إلاّ أن يقلب شفقتي عليه غضبا، وحزني لما حلّ به ضحكا لمّا قلت له إنّه ينبغي أخذه إلى المستشفى فعبّر لي عن خشيته من.. "الزرّيقة". هكذا سليم يلعب مع الضواري ولا يخشى أنيابها ثم يخاف من "الزريقة"، وهكذا نحن جميعا معشر الجبارين الضعفاء نبكي ثم نضحك نفرّ ثم نعيد الكرّ، نخاف ثم نتجاسر ونضرب ولكن لا نستسلم إلى أن يعود لتونس ثوبها الأخضر أو تلبس السواد حدادا على أبنائها الأحرار لحين، ثم تعود إلى البحث عن خضرتها.