بلغ من كره الشيخ محمد عبده للسياسة ، بعدما سُجن ونُفي بتهمة المشاركة في الثورة العرابية سنة 1882م أنه قال «أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة ، ومن معنى السياسة ، ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة، ومن كل خيال ببالي من السياسة ، ومن كل أرض تُذكر فيها السياسة،ومن كل شخص يتكلّم أو يتعلّم أو يُجَنّ أو يعقل في السياسة ، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس» فهل من الملائم في أيّامنا هذه أن نستعيذ بالله من السياسة، وأن نلعنها خصوصا إذا عرفنا من خلال الأحداث اليوميّة ببلادنا أنّ كلّ شيء أصبح مباحا باسم السياسة، فلا وجود لمحرمات ومقدسات في ميدان الفعل السياسي...وأنّ المنطق الّذي يحكم الفرقاء السياسيين هو التلاسن والتسابب والتلاعن ... وأنّ الدعاية الحزبيّة لا تقوم على أساس البرامج والمشاريع والبدائل التي تنفع البلاد والعباد وتمكث في الأرض...وإنّما على أساس البحث عن أخطاء الخصوم والتّشنيع بها، واستخدام أساليب المكر والخديعة والدسيسة والمؤامرة.... وهل لنا أن نقبل بدعوة الشيخ محمد عبده عندما ننظر في ممارسة المشتغلين بالسياسة في بلادنا، ونكتشف كيف يتاجر بعضهم بقضايا المجتمع ويسعى إلى تدمير البلاد والإلقاء بها في المهالك بل في المجهول من أجل تحقيق مصالح حزبيّة ضيّقة؟ في الحقيقة لم يعد ملائماً أن نستعيذ بالله من السياسة، وأن نلعنها لأنّها جزء من حياتنا، ولأنّ الثورة المباركة فتحت أمامنا أبوابا لممارسة حقوقنا السياسية والمساهمة في بناء الدولة الجديدة ولكن ما دمنا قد قدمنا للعالم نموذج ثورة بمقاييس ومعايير غير مسبوقة، وتقدمنا أشواطا في الممارسة الديموقراطية، فإنّه بإمكاننا أن نقدم تجربة سياسية موصولة بالقيم العليا كالعدل والحرية والكرامة وقائمة على مؤسسات تمثّل الرقابة الحقيقية، وتعبّر عن ضمير الشعب.وبذلك نضفي عليها معنى إنسانيا نبيلا. إنّه بإمكاننا أن نحقّق ذلك إذا عرف سياسيونا أن السياسة ليست شرّا مطلقا، وليست فنّ الممكن بالمعنى الضيّق ، وإنّما هي أوّلا وأخيرا تضحية دائمة من أجل ترسيخ الحق والعدل والحرية والكرامة لكل أبناء شعبنا. وإذا لم يجدوا في أنفسهم أنهم يسعون إلى تحقيق هذه القيم وهم يمارسون السياسة، فليطلّقوها حتّى لا تلحقهم اللعنة.