في محاولة للهرب من القضايا الكبرى التي تلقى بظلالها على كل شيء هذه الأيام والتي تعكر صفو حياتنا وتجعل الجميع منشغلين بالتنظير والتحليل والإدانة والاستنكار والتأييد حتى تحول المسرح السياسي والفكري إلى حلبة للمصارعة الحرة معظم ما يجري على الساحة هو تمثيل مسرحي متقن الإخراج بينما لا يملك الجمهور سوى الهتاف والصراخ ولا ينالهم سوى ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنوبات القلبية سلمنا الله وإياكم منها.. ولكن على الرغم من هذا المناخ المشحون فإنه يجب علينا أن نلتفت بين الفينة والأخرى للقضايا الوطنية الأخرى التي يمكن لنا أن نؤثر فيها ونناقشها بهدوء ونسعى إلى معالجتها في سبيل رقي الوطن ومستقبل أبنائه الدروس الخصوصية ظاهرة تتنامى سنوياً وأصبح لها سوق رائجة ووجد بعض المعلمين والأساتذة وبعض من يدعي مهنة التعليم وهو ليس من أهلها.. أنها تمثل لهم دخلاً جيداً فيتسابقون في وسائل تسويق خدماتهم ووضع إعلاناتهم عبر أكثر من وسيلة وبأكثر من طريقة. تفاقمت الظاهرة حتى أصبحت البديل الرئيسي لحصول التلميذ على المعلومة و مقلقة تحتاج إلى وقفة تأمل ومناقشة وتفكير أملنا أن يتمكن المتخصصون في ميدان التعليم والتربية والاجتماع تشخيص الظاهرة بأسلوب موضوعي وعلمي وبناء واقتراح حلول ومبادرات غير تقليدية أثبتت فشلها في هذا الاتجاه وأن تتمكن مؤسسات التعليم والتربية من تطبيق تلك الحلول والتفاعل مع هموم الناس ومشاكلهم . خاصة وأن الدروس الخصوصية أصبحت تمس بمصداقية المؤسسات التعليمية باعتبارها الفضاء الذي يتلقى فيه التلميذ ليس المعارف فقط، وإنما الأخلاق والقيم الاجتماعية أيضا وزارة التربية تتحول إلى شريكة في جرائم الدروس الخصوصية لتدخل السوق التعليمي بنفسها وتلعب دور الوسيط بين الطالب وولي أمره من جهة، وبين المعلم وسوق الدروس الخصوصية من جهة أخرى سنت قانونا يتم بموجبه منع المدرسين من تقديم دروس خصوصية مؤدى عنها لفائدة تلاميذهم خارج المدرسة . بالرغم من أن عديد الأوساط اعتبرت إصدارها متأخرا بعد أن استفحلت الظاهرة فهي حظيت بكثير من الارتياح والترحيب من لدن بعض الأسر وبرز في الواجهة نقاش محتد بين مؤيد ومعارض لقرارات وزارة التربية التي تسعى إلى عقلنة القطاع وضمان حقوق التلاميذ. المؤيدون ينطلقون من كون هذه القرارات تدخل في سياق الإصلاح الشامل للمنظومة التعليمية ومحاولة ترميم عيوب التعليم الذي يعانى من عدة ثغرات وصعوبات، والسعي إلى تجويد منتوج المدارس العمومية في ما يذهب تيار الرافضين إلى دعوة الوزارة إلى تحسين ظروف العمل في المدارس العمومية التي تشكو من عدة مشاكل أبرزها الاكتظاظ وغياب الظروف المواتية للعطاء العلمي، فكم من معلم ومعلمة يشتغلون في مناطق نائية لا يتوفر فيها الحد الأدنى للعيش الكريم، وكم من هؤلاء يضطرون لقطع مسافات طويلة فوق ظهور البغال أو مشيا على الأقدام في مناطق وعرة للوصول إلى فصول دراسة منعزلة وتضم تلاميذ من مستويات تعليمية مختلفة وزير التربية لا يحارب الدروس الخصوصية ولكن "يقننها "ويرخص لمعاناة أولياء الأمور فبدلا من رفع العبء عن كاهل المواطن جاء قرار الوزير الأخير ليزيدها بترخيص الدروس في المدارس و المعاهد لتتقاسم الوزارة الأرباح مع القائمين بها . عفوا سيادة الوزير نتمنى فعلاً وبعيداً عن الشو الإعلامي اتخاذ قرارات تضع العملية التعليمية في نصابها الصحيح ودراسة أسباب عزوف التلاميذ عن المدرسة وتطوير يشمل كل أركان العملية التعليمية لأن التصدي لأحد أركانها فقط وبعيداً عن باقي الأركان يؤدي للفشل . أغلب بلدان العالم يسمح فيها بممارسة عمل مربح آخر الأطباء الذين يعملون في المؤسسات الاستشفائية العمومية يمارسون عملا آخر في عيادات خاصة ملك لهم أو موظفين فيها وكذلك أساتذة الحقوق في الجماعات. فإلى جانب وظيفة التدريس، لهم مكاتب لممارسة مهنة المحاماة. إلا المعلم و الأستاذ .زمن المخلوع هناك مربون يقدمون دروساً لفائدة تلاميذ غير تلاميذهم وهو أمر في تقديري مسموح به على اعتبار أن هناك مربون لديهم كفاءات عالية يمكن للتلاميذ الاستفادة منها دون أن تكون لهذه الصيغة أي انعكاسات أخلاقية أو مهنية أي أن المربون الذين ينخرطون في إعطاء دروس الدعم لغير تلاميذهم لا يخالفون لا القانون ولا كونهم يدخلون في زمرة من يبتزون تلاميذهم ويكرهونهم على الدروس الخصوصية و اليوم ندرس تلاميذنا دروسا خصوصية في مدارسنا و معاهدنا على الطريقة الجلولية المهم الوزارة تستنفع و يا بخت من نفع واستنفع و كل مخالف يصر على الدروس الخصوصية يكون عرضة لجملة من العقوبات الجزائية والإدارية لكن كيف ستتم مراقبة ورصد التجاوزات هذا ما لم يتم الإعلان و لم تضبط له آليات حد الآن خاصة ان أغلب الدروس تقام داخل منازل المعلمين أو الأساتذة أو التلاميذ و مراكز تعليم اللغات؟ هل ستمنح الضابطة العدلية لأعوان الوزارة لتتبع المخالفين واقتحام بيوت الأساتذة أو التلاميذ وأولياء أمورهم هذا مخالف للعرف و القوانين أم ستفتح صدرها و تتقبل العديد من الشكاوي منها الكيدي و الحقيقي و تمضي الوقت في البحث و التحري و هي التي تعي السبب الحقيقي الذي دفع الأسر التونسية إليها والذي يكمن في العملية التعليمية برمتها بالإضافة إلي عدم تناسب الأماكن بالجامعات مع عدد التلاميذ مما دفع أولياء الأمور إلي التصارع علي هذه الدروس حتي لا يفقد أبنائهم أي درجة قد تمنعهم من دخول كليات القمة فبدأ الزحف خلف الدروس الخصوصية باعتبارها الأمل الوحيد بعد ضياع هوية المدرسة؟