إلى وقت قريب كاد المعلم أن يكون رسولا ، إلى وقت قريب كانت الشهادات الجامعية التونسية مفخرة في العالم ، إلى وقت قريب كانت الامتحانات مقدسة و نادرا ما تحصل عملية غش . إلى وقت قريب كانت هناك وزارة للتعليم . الآن انتهى الأمر و حصّل ما في الصدور و لم يعد هناك لا رسل و لا شهادات محترمة و لا امتحانات بلا غش و لا وزارة تعليم . سقط كل شيء في الماء بعد أن تحول أغلب السادة المربين إلى عرابنجية دروس خصوصية و ما تأخذ عدد باهى إلا لاما يدفع والدك الشيء الفلانى مقابل دروس مضيعة للوقت لم تتقدم بمستوى التلاميذ إلا إلى الوراء . أصبح الغش في الامتحانات شيئا منتظرا و عاديا و تستعمل فيه أحدث تقنيات الاتصال و تقابله وزارة التعليم الميتة سريريا منذ سنوات بوسائل تشويش الكترونية مضادة . لا حديث اليوم إلا على تسريب الامتحانات و لا حديث اليوم إلا على هذه المهازل المكررة التي تقابلها وزارة حكومة السيدة نجلاء بودن بالصمت الرهيب. طبعا لن نتحدث عن مافيا الدروس الخصوصية و عن عدم جدواها و ما تسببت فيه من فتق يصعب رتقه في الجيوب و في العقول و طبعا لن نتهم الوزارة و لا المربين لأنه ببساطة لا أحد يثق في منظومة تظم أكثرية فاسدة لا تملك حمرة خجل . حين تشاهد تصرفات السيد وزير التربية و كيف تواطىء مع حكومته ضد المعلمين المناوبين و تركهم للخصاصة و البؤس طيلة أشهر و دون مرتب رغم مئات الاعتصامات و الإضراب عن الطعام تدرك أن الرجل لا يستحق ذلك المنصب الرفيع بل محاكمة من أجل الاعتداء على الدستور و على حقوق الإنسان و عدم نجدة إنسان في خطر إضافة إلى عدم خلاص مؤجر لأجيره . هذه بعض الاتهامات لكن من المؤكد أن السيد الوزير مطلوب للمحاكمة و المحاسبة من أجل اقتطاع وحشي من المرتب بدون مبرر و استخلاص أموال بدون وجه حق . مشكلة الدروس الخصوصية أن المربى و التلميذ و الوالد صاروا يختصرون التعليم في النجاح و المرور للسنة أو المرحلة الموالية فقط و لذلك نلاحظ بمنتهى الأسف كيف تردّى المستوى العام و لم يعد هناك ذلك النهم للمعرفة و التحصيل و الثقافة الثريّة و لذلك تتخرج كل سنة أفواج من الفاقدين للثقافة العامة و للنهم المعرفي و حين تسأل أحدهم عن سؤال فى الثقافة العام تصدم بصمته الخجول أو بأجوبة لا تخطر على بال أحد . حين تشاهد هذا العدد الهائل من المستودعات التي تحولت إلى مأوى لهؤلاء التلاميذ الذين يحصلون على الدروس الخصوصية و تلتفت إلى المعاهد و المدارس المهجورة التي باتت مجرد نقاط التقاء و تعارف و أشياء أخرى يندى الجبين لذكرها ندرك بداهة أن هناك أمورا على غير ما يرام و أننا سائرون جميعا بالتعليم إلى مسار مظلم .