يقترن فصل الصيف في مدينتي العزيزة صفاقس، بموسم جني صابة اللوز و تبعاته المضنية كالتقشير و النقل و التجفيف نتداولها، على وجه البداهة، جيلا بعد جيل دون ملل أو تفكير في الجدوى. في هذا الوقت يصبح تفكيرنا متعلقا بالضيعة، أو "البورة" أو "الحوازة"، لإستباق الطامعين في سرقة المحصول، فنظطر لترك كل الواجبات المهنية و العائلية و المجالات الترفيهية، لنهتم بتأمين عملية جني الصابة التى تصبح الموضوع الأساسي لحياتنا حتى نكون على بينة من التفاصيل المتعلقة بمصاريف النقل و أثمان البيع و أهمية الصابة في الجهة و قدرة الأشجار على الصمود حتى نزول أول قطرات الغيث النافع لموسم الخريف المقبل. و قد قمت بترتيب كل شيء، في هذا الإطار، و أعددت لزيارة مسقط رأسي منطقة "مركز قدور" لأتمتع بقسط من الراحة النفسية و بلقاء الأصدقاء. ثم تبددت الأحلام و الأوهام بمجرد وصولي إلى الحي الذي أضحى في قبضة المهاجرين الأفارقة، أراهم في كل مكان و كأنهم يتربصون بي، حتى أصبح المشهد مخيفا لا يوحي بالطمأنينة و أنا أقف وسط الحي، كم كان عددهم كثيرا و حضورهم غير عادي و كأنهم بالمئات، ينظرون إلي و لا يردون نظرتهم عني و كأني أنا الغريب. بالطبع لم أعد أقطن بهذا الحي و لكني لم أكن أتوقع أن يصبح ملجأ للمهاجرين بالرغم من قربه من وسط المدينة (حوالي 2.5 كلم عنها). هل إندمجوا في المجتمع بهذه السرعة و السهولة ؟ هل لديهم أعمال يوفرون بها ما يمكنهم من تأمين حاجات العيش الكريم ؟ هل تعلم السلطة الجهوية بوجودهم ؟ العديد من أصدقاء الطفولة و الجيران يؤكد لي أن أعدادهم في صفاقس تتجاوز الآلاف، فهل أصبحوا واقعا يجب التعامل معه بحذر أو بواقعية في ظل إحترام القانون ؟ كل هذا هام، و لكني لن أعيره إهتماما بالدرجة التي أعيرها إلى إنتشارهم في الحي الذي نشأت فيه، ففيه لا تزال أمي تقطن بمفردها، فهل هي في مأمن من مخاطر السرقة و العنف ؟ أنا على يقين أنهم لن يلتزموا بعاداتنا، فطبيعتهم أخرى، و لن تفعل السلطة شيئا، فهي عاجزة و مقصرة في أبسط الأشياء. فالأحداث المتكررة من إعتداءات و تبادل عنف، حسب الكثير من أصدقائي، تأكد لي وجود هذه المخاطر، فلماذا يقبل المواطن بتمكينهم من شقق للكراء ؟ و لمذا لا تتحمل السلطة مسؤولياتها في تنظيم إقامتهم و مراقبة أعمالهم