أربع سنوات بالتمام و الكمال، نعم أربع سنوات و نحن نكذب أنفسنا و نكذب المنطق و العقل و كل المعطيات و الحسابات السياسية و نمني أنفسنا بعودة الباجي قائد السبسي إلى رشده و نحاول إقناع الجميع بأن زعيمنا سينتصر للحزب الذي أسسه و لمستقبل البلاد. لكنه للأسف لم يفعل و انتصر لإبنه بل و رمى بالحزب في مزبلة سليم الرياحي انتقاما منا، لكنه حين تيقن من الهزيمة تخلى عن الكل بمن فيهم ابنه و رمى بالمنديل الأبيض حفظا لماء وجهه و انقاذا لما يمكن إنقاذه حتى يضمن نهاية غير مهينة لشخصه عند نهاية ولايته. و اليوم و بعد موت النداء رغم عدم دفن الجثة و انتشار روائحها الكريهة لم يتبقى من الاحزاب الديمقراطية سوى الأحزاب الصغرى التي لا ترتقي حتى لمستوى جمعية، أحزاب صالونات ليس لها اية حظوظ سوى ربما بعض فتات أصغر البقايا لا حول لها و لا قوة للوقوف امام توغل حركة النهضة. بقي أمامنا فقط مشروع مبادرة سياسية جديدة تقودها كتلة الشاهد و حركة مشروع تونس. مبادرة هي في الحقيقة تثير عديد الاحترازات و التحفظات من أطراف كثيرة بعضها يعيب على يوسف الشاهد (و أنا كنت من أشد معارضيه) علاقته بحركة النهضة و مساندتها له و عدم خوضه في كل ما يمكن أن يمس أو يقلق هته الحركة. و بعضها الأخر يعتبر حركة مشروع تونس قد تخلت عن موقفها السابق القاطع مع كل تعامل و مشاركة في حكومة تشارك فيها حركة النهضة. أعتقد أنه و أمام هذا الوضع السياسي الحرج وأمام ما يتهدد البلاد من سقوط بين يدي حزب واحد لم يتبقى لكل مهتم بالشأن السياسي سوى أن يختار بين أمرين إثنين لا ثالث لهما. الخيار الأول أن يبقى مجرد متفرج (نبار) و يضع رجلا على رجل و يدخن سيجارة فاخرة و ينتقد هذا و يسب ذاك و يخون الآخر و في النهاية لن يكون سوى مجرد صوت في صندوق مليئا بالأوراق الزرقاء، هذا إن شارك في يوم الانتخابات و لم يتخذ قرارا في مقاطعتها أو ربما استفاق متأخرا و ثملا من كؤوس الويسكي التي تناولها مع سيجاره الفاخر بعد سهرته الطويلة مع الرفاق. أما الخيار الثاني فهو اعتبار السياسة فن الممكن و ان يحاول قلب الموازين الظاهرة و يحاول تفحصها و تفهمها بعمق و يحولها الى قوة سياسية مضادة للقوى الرجعية. ففي الأخير يوسف الشاهد لم يكن أمامه من حل لحلحزة الأمور و دفع الحاجز الذي كان يمثله الباجي و ابنه و الذي يحول دون تشكيل اية قوة ديمقراطية سوى الاستنجاد بكل القوى المعارضة لهذين الأخيرين بما في ذلك لعب ورقة التناقضات و الاختلافات بين النهضة و النداء، فالمنطق يقول أن الصديق الخائن أشد خطورة من الخصم الواضح . أما حركة مشروع تونس فكان من واجبها ترك المعارضة و المشاركة في الحكومة بعد ان انهار التوازن و مات النداء. فترك يوسف لوحده دون سند سيعطي للنهضة فرصة بسط شروطها عليه و أولها التوغل أكثر فأكثر في مفاصل الدولة بإفتكاك جل الوزارات و مناصب الولاة و المعتمدين و المديرين و ايضا بسط شروطها على كتلته النيابية للتفرد بالآليات التي ان هي تمكنت منها ستضمن لها عقودا من الحكم و هي المحكمة الدستورية و هيئة الانتخابات. مشاركة حركة مشروع تونس في هته الحكومة رغم نسبتها الصغيرة كانت مهمة جدا كونها ساهمت في ابعاد بعض الوزراء الذين باعوا ضمائرهم لحركة النهضة بسبب انهيار النداء مثل وزير العدل غازي الجريبي، و كونها رسخت ايضا مبدأ الكفاءة قبل الولاء الحزبي في التعيينات حين أختارت وزيرين لا يختلف على كفاءتهما و نظافة ايديهما شخصين إثنين و هو ما سيجعل بقية الأحزاب الحاكمة في حرج و يجبرها على التخلي على مبدئ الترضيات. إذا أصبح من الممكن اليوم بعد تحييد الباجي و نهاية مهزلة ابنه ان تزداد هته المبادرة السياسية الجديدة قوة، فجل النواب المتبقين في النداء مضطرين آجلا أو عاجلا الى القفز من السفينة المثقوبة قبل غرقها و الالتحاق كسائر زملائهم بهته المبادرة حينها ستتشكل أكبر كتلة في البرلمان قد يفوق عددها التسعين نائبا بما يخول ليوسف و محسن و كل من معهم التحرر نهائيا و فك كل ارتباط مع النهضة، و هم في الأخير مجبرين على ذلك حتى يمكنهم خوض منافسة جدية معها في الانتخابات القادمة.