ذهل العديد منا من نتيجة آخر سبر للآراء أجرته مؤسسة سيغما كونساي حول نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية المقبلة فقد تصدر قيس سعيد المرتبة الأولى وتحصل على 22.4 بالمائة من أصوات المستجوبين واحتل نبيل القروي المركز الثاني بنسبة 21.8 بالمائة في حين لم يتحصل رئيس الحكومة يوسف الشاهد سوى بنسبة 7.4 بالمائة. هته النتيجة التي فاجأت البعض هي في حقيقة الأمر الأقرب إلى الواقع و أكثر النتائج الصادرة عن مؤسسة سيغما مصداقية لكونها تنسجم تماما مع حقائق يحاول عديد السياسيين حجبها بعمليات سبر آراء أخرى مزيفة و مدفوعة الثمن مسبقا. الحقائق التي لا يمكن لأحد إنكارها هي عديدة و متعددة لكن أهمها يتمثل في مايلي: 1/ أن المواطن التونسي غير متمرس على الحياة الديمقراطية و يستجلبه الخطاب الشعبوي لأبعد الحدود خصوصا و أن هذا الخطاب وجد في بعض القنوات التلفزيونية الخاصة حاضنة ومسوقة له مثل قناة نسمة. 2/ أن هذا المواطن فقد ثقته في النخبة السياسية الحقيقية و في وعودها السابقة التي لم تتحقق بل أن وضعيته المادية زادت تأزما وتعكرا، لذلك فهو يميل إلى تغيير خياراته الإنتخابية تغييرا جذريا و راديكاليا نحو سياسيين “أقل تسيسا” أو ربما لا علاقة لهم تماما بالمحيط السياسي و بالخطاب السياسي الذي أصبح خطابا مقيتا. 3/ فشل النخبة السياسية الحقيقية في كسب ثقة المواطن نتيجة كثرة فضائحها بسبب إنقسامها من حزب إلى أحزاب و من شق إلى شقوق مع ما رافق ذلك من سب و شتم و تبادل للتهم بين هذا و ذاك، الأمر الذي جعل الناخب يتجنب هته النخبة والتي من المفترض أن تحل له مشاكله في حين أنها فشلت حتى في حل مشاكلها التي لا تعنيه. صحيح أن الديمقراطية هي تكريس لإرادة الأغلبية لكن هل يعقل السماح بقبول خيارات قد تتسبب في إنهيار وطن بأكمله نتيجة إختيار معتوه أو فاسد من الرعيل الأول كرجل أول لإدارة شؤون الدولة؟ على النخب السياسية النزول من برجها العاجي و التخلي عن أنانيتها و إنتهازيتها و منطق الزعيم الأوحد و عن منهج صاحب الباتيندا الذي للأسف لم يعد محصورا في نداء تونس فإنتقلت العدوى إلى أحزاب أخرى. على هؤلاء الساسة أن ينهوا هته المعارك الشخصية و أن يراجعوا خطابهم العقيم و أن يطهروا أحزابهم من بعض العناصر الفاسدة و علبهم خصوصا أن يتوحدوا و يقبلوا بتقاسم الكعكة لتجاوز هته الوعكة فمن يريد الكل سيخسر الكل.