المتابع لشبكة برامج القنوات التلفزية الخاصة في تونس يلاحظ أن القنوات الأكثر انتشارا تلتقي في ما يسمى ببرامج ‘تلفزيون الواقع′، أو بالأحرى برامج سلخ الواقع وتعرية الناس والاتجار بمعاناتهم. هذا النمط من البرامج تجده يبث على قناة ‘التونسية' تحت اسم ‘عندي ما نقلك' وعلى قناة ‘حنبعل' تحت اسم ‘المسامح كريم' وفي ثوب مغاربي على قناة ‘نسمة' تحت اسم ‘جاك المرسول'. التوجه إلى هذا النمط من البرامج استساغه البعض تحت ذريعة الكشف عن المستور وإماطة اللثام عن مدى البؤس العاطفي والفقر الذي يعيش على وقعهما التونسي والمغاربي عموما. والغوص أكثر في خفايا وأسرار المجتمع، ولفت نظر السلط المعنية إلى العديد من المشاكل. ولكن الحقيقة غير ذلك لأن إتباع هذا النمط من البرامج مسألة موجودة بكثرة في عديد القنوات الرأسمالية، كما الاشتراكية، المتقدمة وتلك التي ما زالت في طريق النمو. والسبب بسيط وهي أنها تجلب اهتمام المشاهد الذي تثير فيه نزعة التطفل والفضول للتعرف على إشكاليات ذات طابع سري في العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة عبر ما تقدمه من محاور لا تمت للشأن الاجتماعي إلا في ما تسيله من دموع الشفقة والنحيب والحنين والغضب والاستياء والرغبة الجامحة في القصاص وغيرها من المآسي. ونتيجة لذلك ترتفع نسبة المشاهدة وهو ما يبحث عنه المستشهرون لعرض بضاعتهم وأصحاب القنوات لجني أرباح الاستشهار. هذا القالب من الأفكار الذي يؤثث حقيبة البرامج التلفزية التونسية والمغاربية عموما والتي أسست لولادة مشاهد جديد يبحث في هذه البرامج عن المشاعر والأحاسيس واستدرار العواطف والمشاهد الدرامية والحكايات التي اعتاد متابعة الكثير منها في المسلسلات والأفلام. وجردته من الرغبة في متابعة ملفات ذات صلة بالشأن العام أو الحياة السياسية أو الثقافية مثلا. من جهة أخرى نجد المشارك في هذه البرامج والذي يقبل عن طيب خاطر التعري أمام عدسة الكاميرا وأمام المشاهد ويكشف عن خصوصيات وتفاصيل غاية في السرية من حياته تحت مسميات عدة كالشجاعة والجرأة وحرية التعبير وغيرها من القوالب التي ينجح معدو البرنامج في إقناع صاحب الحكاية بها. ليبدو أمام الشاشة وهو على يقين بأنه يطل في صورة البطل الذي نجح في كسر جسور الصمت. وطبعا هذه المهمة ليست بالأمر الصعب بالنسبة لمعدي ومقدمي هذه البرامج ما دامت الأغلبية الساحقة للمشاركين تنتمي لطبقات شعبية مفقرة ماديا وعلميا وثقافيا. وهذا الأمر يدخل في إطار سياسة البرنامج، إذ ليس من السهل استدراج مثقفين ومتعلمين للكشف عن كواليس شخصية مخجلة وفاضحة من حياتهم. في حين يسهل استفزاز الفئة السالف ذكرها والإيقاع بهم، لا سيما في إطار ردة الفعل للحديث عن معطيات لا يمكن إدراجها في سياق الجرأة ولا في سياق حرية التعبير. مواقف مثيرة يعيشها المشاهد بصلب هذا النمط من البرامج تزيد من إقباله عليها وتطرح تساؤلات كبيرة حول الهدف الحقيقي من هذه البرامج، والآليات الكفيلة لضبط مثل هذه المواد التلفزية في إطار قانوني واضح؟ وتجدر الإشارة الى أن بعض برامج تلفزيون الواقع نجحت في التقريب بين أطراف متنازعة وأعادت الكثير من التائهين إلى أحضان عائلاتهم، إلا أنها في المقابل عمقت حلقات الهوة بين أفراد العائلة الواحدة. فازداد تصدع القلوب ولم يشفع استدرار العواطف في كسب العفو والتجاوز عن الأخطاء وحولت جانبا من المجتمع إلى جماعات ساذجة تستحق الشفقة. وهنا يكمن التناقض الصارخ في الأهداف الايجابية لمثل هذه البرامج في علاقتها بالمشاهد وبالمشاركين أنفسهم. إذ أصبح من الضروري وضع خطوط حمراء لا مجال لتجاوزها حتى يقدم تلفزيون الواقع خدمات ايجابية للمتلقي. وربما بمعنى أصح أصبحت الغربلة حاجة ماسة لأنه لا يجوز تمرير كل الإشكاليات المطروحة تحت مسمى تلفزيون الواقع وكأن الأمر أصبح شعارا يستظل بظله. كما لا بد أن يتعاطى تلفزيون الواقع بإيجابية مع المجتمع وخصوصياته وأن يرفع الشارة الحمراء أمام سياسة التشفي والتباكي واستدرار العواطف التي لا جدوى من ورائها سوى هتك أعراض الناس والتلاعب بمحنهم حتى تمتلئ خزائنهم. ولعل المثير للجدل اليوم هو لماذا اتجهت الدول الغربية متبوعة ببعض الدول العربية نحو نمط آخر من تلفزيون الواقع متعلق أساسا بصناعة النجوم في حين بقيت الدول المغاربية حبيسة هذا النمط التراجيدي من تلفزيون الواقع.علما وأن النمط السالف ذكره يدر عائدات مالية ضخمة، فمثلا في فرنسا حصد التلفزيون الخاص 1 TF مبلغ 130 مليون يورو كعائدات إعلان وإشهار، وذلك من خلال عرض 16 حلقة من برنامج ‘ستار أكاديمي' سنة 2002 حيث تم مثلا الترفيع في قيمة سعر الإعلان الذي يتم بثه قبل وأثناء وبعد البرنامج. فنهائي حفل ‘ستار أكاديمي' بهذه القناة التلفزيونية شد انتباه ما يناهز 12.6 مليون مشاهد. كما أن المكالمات الهاتفية ورسائل SMS وصلت إلى ثلاثة ملايين مكالمة في ليلة الاختتام. ولعل إدراجي لهذا المثال ليس للتشجيع على الجانب الاقتصادي لهذا النوع من البرامج التلفزية، ولكن للإشارة إلى أن هذا التوجه لم يولد اعتباطيا بل له مقوماته وقوالبه الخاصة. كما أنه من المخجل أن تنساق أكثر ثلاث قنوات تلفزية رواجا في تونس إلى استنساخ ذات البرنامج بنفس المقاييس والمعايير والحال أن تلفزيون الواقع مفتوح على عدة أفكار أخرى ومربحة أيضا، ولكن الأكيد أنها تتطلب قدرات وكفاءات أكبر. ويجدر القول ان دراسة تلفزيون الواقع يمكن أن تكون مدخلا من بين المداخل المنهجية والفكرية الجديدة لدراسة ظاهرة التلفزيون وظيفته وتاريخه كما يمكننا أيضا البحث انطلاقا من ظاهرة تلفزيون الواقع عن الخلفية الثقافة والاقتصادية لإنتاج هذه البرامج التلفزيونية الجديدة، كما يفرض تلفزيون الواقع، ويبدو لأول مرة، ليس فقط مدى الاهتمام ببرامج التلفزيون النوعية بل أيضا نسبة المشاهدة، أي الأثر الرجعي لمثل هذه البرامج فنحن في فعل الزمن بين الماضي واللحظة التاريخية والمستقبل في دراسة ظاهرة التلفزيون. عبد الرزاق الشابي و'الاسئلة الخطيرة'! الاكيد أنه في عالم الاعلام يمتلك كل صحافي ميزة أو ملكة أو صفة تجعله ذا خصوصية بين زملائه ولدى الجمهور المتابع لما يقدم مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا. والمتابع لبرامج ‘حنبعل' يستوقفه للوهلة الاولى الاعلامي عبد الرزاق الشابي. ولسائل أن يسأل ما المميز في هذا المقدم؟ وهو أمر بديهي، ذلك ان عنصر الجلب لديه هي أسئلته الخطيرة بين قوسين طبعا فالشابي يقدم برنامج ‘المسامح كريم' وطبعا هذا البرنامج من أكثر البرامج التلفزيونية التي تسيل فيها الدموع، سواء من قبل الحالات الاجتماعية التي تأتي لتسرد تفاصيل ‘مصائبها' أو من قبل ‘الرقيق' منشط الحصة الذي دائما ما تغلبه الدموع وهو يستمع الى ضيوفه، اضافة الى أسئلته التي يصفها دائما بأنها خطيرة رغم أنها بسيطة وليست في محلها. والواقع أن منشط المسامح الكريم عادة ما يمهد لأسئلته البسيطة بعبارة ‘عندي سؤال خطير' ليتضح في ما بعد أن السؤال بسيط للغاية. ومن أشهر هذه الاسئلة التي تداولها الكثير سؤاله لتوأمين هل أنتما إخوة من نفس الأب والام؟ قد يبدو الامر للكثير على أنه دعابة أو نكتة، ولكنه أحد الاسئلة الخطيرة للاعلامي الكبير. زد على ذلك سؤاله لبعض الحالات وهي بصدد سرد أوجاعها هل بكيت هل تأثرت؟ والحقيقة أن البعض يكون في حالة بكاء أثناء سرده لمشكلته. والميزة الثانية هي ‘يا ماما يا ماما'، فهذه العبارة التي تعني في تونس النداء للأم وهي في الحقيقة وسيلة التعبير عن التأثر بالنسبة لبرنامج ‘المسامح كريم'وطريقته في التعبير عن الانبهار بضيوفه في حصة ‘ديمنش حنبعل'. مع العلم أن هذه الاسئلة الخطيرة قد خصص لها صفحة على ‘الفايس بوك' انتسب اليها خلال خمسة أيام فقط أكثر من 27 ألف عضو والعدد في زيادة متواصلة تحت اسم ‘أقوى سؤالات عبد الرزاق الشابي'. الأحد الرياضي بحاجة إلى رازي رغم الإمكانيات المادية والتقنية المرصودة للقناة الوطنية في تونس، إلا أن هذه الأخيرة لم تنجح في خلق مشاهدين دائمين، ولم تنجح في صناعة برامج قادرة على استفزاز المشاهد ودفعه للمتابعة.عدا برنامج استثنائي رياضي وأعني بذلك ‘الأحد الرياضي' الذي نجح لسنوات عديدة في كسب ثقة الجمهور تونسيا ومغاربيا وعربيا أيضا. هذا البرنامج أخذ يتهاوى بعد اندلاع الثورة مباشرة وتحديدا بعد تغيير المقدم الكلاسيكي لهذا البرناج ‘رازي القنزوعي' بداعي أن والده كان مدير عام الأمن العمومي أيام الرئيس بن علي. برنامج ‘الأحد الرياضي' هو حصة رياضية تلفزيونية شهيرة في تونس، بل أكثر البرامج مشاهدة حتى انه يمكن القول انه الطبق الرئيسي للمشاهدين التونسيين مساء الأحد. ولكن هذا المشهد اخذ في التراجع منذ أن أقدمت إدارة القناة على تغيير معد ومقدم الحصة رازي القنزوعي وتعويضه في البداية بربيع البحوري. وطبعا بدا الفرق واضحا في مستوى أداء وقدرات هذا الوجه الإعلامي ‘الجديد' في التقديم والتنشيط وإدارة الحوار في المسائل الرياضية مقارنة بأداء زميله رازي الذي قضى – كما هو معلوم – مواسم عديدة في تقديم هذه الحصة الرياضية الشهيرة والذي استطاع أن يقنع بل وأن يحافظ على جماهيرية وشعبية ‘الأحد الرياضي' وعلى مستوى نسبة مشاهدة عالية حتى لما ‘تواطأت' إدارة التلفزة في فترة ما مع جماعة ‘كاكتوس′ وبلحسن الطرابلسي من أجل سحب البساط من تحت أقدام رازي وبرنامج ‘الأحد الرياضي'. وأمام المستوى الضعيف الذي بدا عليه المقدم الجديد قامت إدارة القناة الوطنية مرة أخرى بتغيير المقدم وهذه المرة بالإعلامية سهام العيادي،علما وأن هذه الأخيرة ذات تجربة كبيرة في تقديم البرامج الرياضية. ولكن لم تصمد أكثر من ثلاثة أشهر لتترك تقديم البرنامج تحت ذريعة أن هناك مضايقات حالت دون نجاحها في تقديم هذه الحصة. ليليها اسكندر الحجام ولعلها التجربة الأسوأ من تاريخ هذا البرنامج، حيث بدا جليا النقص في الخبرة والعجز عن التسيير الصحيح لهذه الحصة. وتواصل التغيير مرة أخرى حتى وصل إلى المقدم الحالي ولكن النتيجة واحدة. عن القدس العربي