تونس (تحرير وات)- يتفق الخبراء الاقتصاديون على أن أزمة الديون السيادية في منطقة الأورو ستكون لها انعكاسات مباشرة على الاقتصاد التونسي ذلك أن 80 بالمائة من مبادلات تونس الخارجية تتم مع هذه المنطقة فضلا عن كونها أول مصدر للسياح للوجهة التونسية. وقال الخبير الاقتصادي والمالي معز العبيدي، أن الانعكاسات المحتملة للازمة الأوروبية على الاقتصاد الوطني ستشمل بالخصوص الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. وأضاف الأستاذ بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بالمهدية في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء انه يتعين على الحكومة الجديدة الإسراع بإقرار إصلاحات هيكلية منذ العام الأول قصد إعادة الدين الخارجي إلى مستويات معقولة فضلا عن إعادة هيكلة القطاع المالي. وفى ما يلي نص الحديث : سؤال: ما هي التأثيرات المحتملة للازمة الأوروبية على الاقتصاد التونسي؟ وما هي القطاعات الأكثر عرضة للمخاطر؟ وما طبيعة هذه الانعكاسات؟ جواب: سيكون لاتساع رقعة أزمة الديون السيادية في منطقة الاورو انعكاسات على الاقتصاد التونسي في أربعة مستويات. فعلي المستوى الأول سيكون لحالة الانكماش الاقتصادي التي تشهدها أوروبا تأثير على حجم الصادرات التونسية نحو الاتحاد الأوروبي وكذلك على صعيد توافد السياح والاستثمار الخارجي في اتجاه تونس. أما المستوى الثاني فيتعلق بالقدرة التنافسية للاقتصاد التونسي. فحالة الاضطراب التي تسود الأسواق المالية الأوروبية والشكوك بشان برامج الإنعاش الاقتصادي الهادفة إلى إيجاد توازن في موازنات هذه الدول إضافة إلى السياسة المالية التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض قيمة اليورو وهو ما قد ينعكس سلبا على تنافسية الاقتصاد الوطني. ويهم المستوى الثالث حركة الهجرة نحو أوروبا والقطاع السياحي. فوضع التشغيل في هذه الدول وسياسات التقشف المعتمدة ستؤثر على هجرة اليد العاملة التونسية إلى أوروبا وتأخير انطلاقة القطاع السياحي. ويمكن أن يساهم تراجع الدخل في أوروبا في إقبال عدد من السياح الذين اعتادوا الوجهات البعيدة على الوجهة التونسية. وفي ما يتعلق بالمستوى الرابع يمكن للاقتصاد التونسي أن يستفيد من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي (مراجعة آفاق النمو بالولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا) الذي قد يؤدي إلى تراجع أسعار البترول عالميا جراء انكماش الطلب العالمي وهو ما قد يقلص من كلفة قطاع الطاقة على ميزانية الدولة. إجمالا دخل الاقتصاد العالمي في فترة كساد وانكماش بسبب عدم نجاعة الآليات التي برهنت على عدم فاعليتها وجدواها بالإضافة إلى السياسات النقدية المكبلة بنسب فائدة قريبة من الصفر ومالية عمومية مثقلة بالديون مما انجر عنه ضيق مجال التحرك للشركاء الأوروبيين. وأمام هذا الوضع فإن تونس مطالبة بإعادة تقديرات النمو لسنة 2012 شرط أن تتم عملية إعادة بناء ليبيا بنسق سريع. سؤال: هل أن وضعية مدخرات البلاد من العملة الصعبة تعتبر خطيرة؟ جواب: الوضعية الراهنة لا تبعث على القلق، فإلى موفى شهر أكتوبر تتوفر لدينا 114 يوما من التوريد وتونس لا تزال تتمتع بسمعة طيبة رغم مراجعة ترقيمها السيادي من طرف وكالات التصنيف الدولية. كما ان ترتيب تونس في أسفل سلم الترقيم لصنف "بلد مستثمر " لم يثر لدى شركائها رغبة في ترشيد استفادتها من القروض بل على العكس فقد تحصلت على وعود عديدة بشان قروض ثنائية ومتعددة الأطراف شرط حسن التفاوض بشأنها. وفي ظل المناخ المالي غير الملائم (هشاشة الأسواق المالية الدولية) يتعين على تونس أن تأخذ في عين الاعتبار ارتفاع كلفة الدين من جهة ونضوب موارد التمويل خاصة من الجانب الأوروبي من جهة أخرى. ونأمل أنه مع أزمة الدين في أوروبا وتشدد برامج التقشف المنتهجة ألا يتراجع الشريك الأوروبي في تعهداته ووعوده المالية نحو تونس. وان الحكومة الجديدة مطالبة اليوم بإيجاد التوازن بين الحوكمة السياسية الرشيدة والحوكمة الاقتصادية من أجل طمأنة الشركاء التجاريين والمانحين الماليين وبالتالي تغيير منحى المدخرات من العملة الصعبة. سؤال: ماهي برأيكم الإجراءات الواجب اتخاذها لحماية الاقتصاد التونسي وهل أن السياسة الاقتصادية المنتهجة حاليا قادرة على الصمود في الظرف الراهن؟ جواب: على المستوى التجاري وأخذا بالاعتبار الشكوك تجاه توفق اليونان خاصة ومنطقة الأورو عموما فى تجاوز اثار الازمة فانه ، من الصعب تصور مخرج سريع للأزمة إذ أن شركاءنا التقليديين من دول جنوب المتوسط (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا) هم من الدول الأكثر تضررا من الأزمة وسيظلون لفترة طويلة نسبيا تحت ضغط الأسواق إذ أن نسبة النمو ستبقى ضعيفة على امتداد عام ونصف وهو ما سينتج عنه تأخر انتعاشة الاقتصاد التونسي. وعلى المدى القصير يستوجب توخي الحذر للتمويل الخارجي بفعل سياسات التقشف والضغوط المسلطة على أسواق نسب الفائدة فى حين يتعين على المدى المتوسط والطويل على تونس إعادة النظر جديا في هيكلة مبادلاتها التجارية لتوسيع حلقة الشركاء الاقتصاديين باتجاه البلدان الآسيوية وأمريكا اللاتينية التي ما انفكت تحقق نسب نمو هامة وأرفع من نسب النمو المسجلة في منطقة الأورو. وعلى المستوى المالي وإزاء ضعف الاستثمارات الخارجية المباشرة المتأتية من أوروبا وارتفاع الضغوط على الأسواق المالية الدولية ومراجعة التصنيف السيادي لتونس ستجد الحكومة التونسيةالجديدة نفسها أمام استحقاقين اثنين اولهما ضرورة إعطاء إشارات إيجابية على الحوكمة الرشيدة والاستقرار السياسي للتقليص من تخوف المستثمرين التونسيين والأجانب. اما الثاني فيتمثل في اطلاق إصلاحات هيكلية منذ العام الأول لإعطاء دفع إيجابي للمستثمرين والمانحين. كما أن الحكومة مطالبة بإعادة هيكلة الدين الخارجي والتحكم فيه في مستويات معقولة عبر عملية تطهير ناجحة للقطاع المالي (إعادة هيكلة القطاع البنكي وتنشيط سوق رأس المال وإدراج آليات تمويل جديدة على غرار التمويل الإسلامي وصناديق الاستثمار الخاصة والتمويل الصغير)