تونس ( تحرير وات / بهيجة بلمبروك )- جرت العادة ان يكون احتفال المراة التونسية بعيدها يوم 13 اوت من كل سنة مناسبة للتاكيد على الحفاظ على المكاسب التي احرزتها وللتطلع الى مزيد تعزيزها وتطويرها. الا انه وفي الاحتفال الثاني بهذا العيد بعد الثورة، حامت شكوك ومخاوف من امكانية حصول تراجع عن بعض هذه المكاسب، وخصوصا بعد الجدل الكبير الذي صاحب مقترح الفصل 28 من دستور تونس الجديد. وبالفعل، فقد اثار الفصل 28 الذي ناقشته لجنة //الحقوق والحريات// صلب المجلس الوطني التاسيسي، جدلا كبيرا اذ اعتبرته بعض الاطراف نكوصا عن الحداثة وتراجعا عن المكاسب التي حققتها المراة التونسية مبينة ان صيغة //التكامل// الواردة في هذا الفصل، تحيل بحسب راي هذه الاطراف، //الى الاستنقاص من دور المراة ومن مكانتها باعتبارها متساوية مع الرجل وشريكة له وليست طرفا تابعا له//. فبالنسبة لاستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، فان تناول مسالة المساواة بين الرجل والمراة يجب ان يتم وفقا لمستويين اثنين يتعلق الاول بمبدا اساسي وجوهري لايمكن اغفال التنصيص عليه في الدستور القادم ويتمثل في المساواة بين المواطنين وهو مبدا لا يمكن ان يتجاهله اليوم اي دستور في العالم// بحسب تاكيده. أما المستوى الثاني فهو يتصل بمجلة الاحول الشخصية، التي تختلف بحسب قيس سعيد عن الدساتير، معتبرا ان الفضاء الخاص للمراة وعلاقاتها العائلية ينظم بالاساس بناء على قواعد هامة ابرزها هذه المجلة//. وقال سعيد//ليس هناك اليوم اي مبرر للتراجع عن مكاسب المراة لان التونسيين لم يطرحوا في ديسمبر 2010 وجانفي 2011 اطلاقاالمسائل المتعلقة بحقوق المراة بل طرحوا مسالتي الحرية والكرامة//، داعيا كل الاطراف الى النأي بحقوق المراة ومكاسبها عن التجاذبات والصراعات السياسية والانتخابية الضيقة. وللخروج من هذه التجاذبات، اقترح قيس سعيد تضمين حقوق المراة التونسية ومكتسباتها في نص//اعلان تونسي لحقوق الانسان والمواطن// يضعه المجلس الوطني التاسيسي ثم يعرض على الاستفتاء ليكون له بذلك قيمة قانونية اعلى من الدستور. واعتبر استاذ القانون أنه //ليس هناك مبرر لادراج صيغة //التكامل// في نص الدستور القادم، باعتبار انها //صيغة لا يمكن ان يترتب عنها أي اثر قانوني// على حد تعبيره. ومن جانبها، أوضحت فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق والحريات عن حركة //النهضة// ان الصيغة الاولى من الفصل التي صوت لها 12 نائبا من النهضة ومن كتلة الحرية والكرامة ومن كتلة حركة "وفاء" ومن كتلة المؤتمر من اجل الجمهورية، فيها //تاكيد واضح وصريح على حماية حقوق المراة ودعم مكاسبها// بحسب رايها. وبينت ان //ادراج مصطلح مجلة الاحوال الشخصية اعتبره عدد من النواب مسالة قد تكون غير مقبولة في الدستور لان الوضع سيحتم الاحالة في كل مرة على مجلة قانونية//. وقالت العبيدي ان //تناول هذا الفصل اعلاميا على ان فيه تراجعا عن حقوق المراة وعن دعم مكاسبها فيه مغالطة كبيرة للراي العام//، مشيرة الى ان ما يهم المراة التونسية بالاساس هو ضمان حقوقها في الصحة والتعليم والتربية والشغل وفي تحمل مختلف المسؤوليات، وضمان كرامتها، مع تحقيق العيش الكريم للمراة الريفية. وقالت: //لا أعتقد ان انشغالات المراة تقف عند المطالبة بالمساواة في الميراث او النسب//. واعتبرت ان التكامل المقصود في هذا الفصل هو في //تقاسم الادوار بين المراة والرجل ولا يعني البتة ان المراة اقل من الرجل او ان الرجل اعلى درجة من المراة كما يتم الترويج له حاليا من قبل بعض الاطراف// بحسب قولها. ولاحظت أن مسالة المساواة بين الرجل والمراة وردت واضحة وصريحة في الفصل 22 من الدستور الذي يؤكد ان // المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون دون تمييز باي شكل من الاشكال//. وبينت في هذا السياق ان المراة هي مواطنة قبل كل شيء وتتمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في مضامين مختلف الفصول وهو ما اكدته التوطئة والمبادىء العامة. واضافت ان //الاسلام كرم المراة وحفظ كرامتها قبل اي مجلة قانونية ولم ينتقص من مكانتها وليس هناك اي مصلحة لحركة النهضة في ان تتراجع عن مكاسب المراة وعن حقوقها، خاصة وانها استفادت من اقرار مبدا التناصف في انتخابات 23 أكتوبر الماضي//. وفي مقابل هذا الطرح، اعتبرت كل من //الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات// و//جمعية النساء التونسيات للبحث والتنمية// و//الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان// و//لجنة المراة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل// و//منظمة العفو الدولية فرع تونس// و//المجلس الوطني للحريات بتونس//، في بيان مشترك صدر يوم 4 أوت الجاري، ان //اقرار هذا الفصل بصيغته هذه يشد الشعب التونسي الى الوراء// مطالبة بالتخلي عنه. واعتبرت الصيغة الاولى من الفصل 28 من دستور تونس الجديد //ضربا للمكاسب وتكريسا لمنظومة ابوية تمنح السلطة المطلقة للرجل وتسلب المراة حقوقها بوصفها مواطنة كاملة الحقوق وتتمتع بالشخصية القانونية//. كما رات ان هذه الصيغة //لا تعترف بكيان المراة ومواطنتها واستقلاليتها كفرد من أفراد المجتمع يحق لها التمتع بحريتها وحقوقها الانسانية بالتساوي مع الرجل كما لا تعرفها الا بالتبعية للرجل ابا كان اوزوجا او أخا// بحسب ما جاء في البيان. ويبدو ان الجدل حول هذه المسالة مرشح للاحتدام اكثر فاكثر في ظل تمسك كل طرف بمواقفه. ولا يسع المراة في تونس الا ان تامل ان تفضي هذه السجالات الى مقترحات وافكار بناءة وجديدة تعزز مكاسبها وتحميها من اي ارتداد الى الوراء.