تونس «الشروق»: عادت شخصية الأستاذ عبد الفتاح مورو لتحتلّ السطح من جديد في أعقاب التطورات الأخيرة والتي انتهت بتصريحه أمس لإذاعة أوازيس اف أم أنه يفكر في مغادرة حركة النهضة. ويبدو أنّه يعيش على وقع صدمة ما جرى له عشية الاحتفالات بالذكرى 32 لتأسيس حركة النهضة عندما تمّت مقاطعة كلمته وانسحابه من قصر القبّة بالمنزه ، حيث قال في نفس التصريح الاذاعي: «أصبحتُ أتساءل عن موقعي داخل حركة النهضة بعد مصادرة حقي في ابداء رأي خلال الاحتفال بذكرى تأسيس الحركة», مضيفا « مقاطعة كلمتي أسلوب اقصائي انتهج ضدي منذ مدة وأنا متمسك بمواقفي في عديد القضايا خاصة قانون تحصين الثورة». وأشاد مورو بمساندة الأمين العام للحركة حمادي الجبالي له, مشيرا الى ضرورة ابتعاد مناضلي الحركة عن اتباع أسلوب الاقصاء والغاء الآخر المخالف. وكانت مصادر روجت اول امس بيان مساندة من الجبالي لمورو حيال ما تعرّض له بالقبة ، كما أطنب الغنوشي في الإشادة بخصال مورو ومزاياه خلال لقائه بعدد من الصحافيين بجهة صفاقس. موقف صعب وخيار أصعب والواضح اليوم أنّ الأستاذ مورو واقع في منعرج صعب جدّا ولن يكون بإمكانه أن يتّخذ قرارا مستعجلا لعلمه المسبق بخطورة مغادرة الهياكل القياديّة والتنظيمية للحركة وذلك أمام ما ترسّخ لديه من ضعف ومحدوديّة الحظوظ خارجها مثلما حدث له ذلك بمناسبة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الأخيرة حينما تقدّم في قائمة مستقلة ولم يحصل إلاّ على بعض المئات من الأصوات لم تمكّنهُ من عضوية المجلس الوطني التأسيسي وأُجبر لاحقا على العودة إلى حظيرة الحزب بمناسبة مؤتمره التاسع الذي التأم صائفة 2012. قصّة مورو مع النهضة يبدو أنّها لن تنتهي وقد تشهد فصولا أخرى ومن الواضح أنّ حالة من التجاذب الغريب تربط الرجل في علاقة أساسا برئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي المتمسّك به كنائب له مكلّف بالعلاقات الخارجية والعلاقات العامّة وبين «تنظيم» يبدو أنّه غير مستعد للتساهل في مسألة الانضباط لقرارات المؤسسات ومنها أساسا قرار مجلس الشورى السلطة الأعلى في تنظيم الحركة بين مؤتمرين. مورو دخل معركة جديدة مع «إخوانه» شعارها رفض الالتزام بقرار التمسّك بقانون تحصين الثورة والذي يبدو أنّ مورو يُعارضهُ بشدّة ويرفضه من أساسه حيث أكّد عديد المرات وجهة نظر مُخالفة لما تتمسّك به القواعد والأغلبية داخل الحركة. بل إنّ المسألة بدت هذه المرة أكثر حدّة بتبادل الاتهامات ومنها اتهامه بالاقصاء والسعي الى الهيمنة السياسية. احتمال ضعيف ولكن... وحول احتمال تنفيذ ما يفكّر فيه مورو قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إنّ مغادرة مورو الان للنهصة احتمال ضعيف جدا برغم أنّه يشعر بضيم كبير وبأنّ رجوعه لحركة النهضة كان مجرد يافطة والقرارات والاتجاه العام ليس له قدرة على التأثير عليها، بمعنى أنّه يسبحُ عكس التيار العام، وأضاف الجورشي أنّ مورو يعيش أزمة وجودية إلى جانب أزمة سياسية حقيقية وإذا تواصل أسلوب تهميشه قد يجبر على الاستقالة لاحقا ولكنه يبقى في حاجة إلى سند كبير من خارج النهضة حتى يكون فاعلا وبأداء جيّد يعكس المبادئ والقيم التي يؤمن بها. وقال الجورشي إنّ مورو يؤمن بضرورة التقريب بين كل العائلات السياسية وبخفض درجة الاحتقان السياسي وبأن النهضة ولا غيرها من الاحزاب بمقدورها العمل والحكم بصفة منفردة. واعتبر الجورشي أن ازمة حقيقية موجودة داخل حركة النهضة التي من المفروض أن تكون اليوم بحجم ما آل اليها من مسؤوليات ومكانة وان تقبل التعدد في الآراء داخلها فالحركات الكبرى تفرض هذا التعدد. والازمة الفعلية التي على النهضة ان تجد لها حلا هي كيفية تصريف ادارة التعدد ، فعلى الرغم من العلاقة المتميزة التي تربطه برئيس الحركة راشد الغنوشي والذي رشحه مؤخرا لرئاسة الجمهورية فان واقع النهضة اليوم في رفض التعدد داخلها قد تجعل الرياح تجري مرات بعكس ما يشتهيه حتى زعيم الحركة راشد الغنوشي نفسهُ. وانتهى الجورشي الى القول والتأكيد بأن الأستاذ عبد الفتاح مورو رأس مال رمزي النهضة لم تنجح في استثماره ولذلك فهو هامشي ولا اثر له والجميع يستخف به. مورو في وضعية صعبة وحتى ان فكّر في الاستقالة من النهضة فربما سيكون من الصعب عليه حاليا مغادرتها لأسباب عديدة ابرزها انه يلقى دعما من رئيس الحركة وأمينها العام واهمها قناعته بان فث صورة المغادر للحركة قد تنتهي به الأمور إلى الاستقالة السياسية وملازمة البيت أو مكتب المحاماة بالنسبة إليه؟ فإلى اين ستقذف رياح التحولات وأمواج التطورات برجل يأبى الخضوع لنواميس الانضباط الحزبي والتنظيمي؟.