لا شكّ أن مشهد الجمهور في القاعة إثر نهاية هذا الفيلم يمثل أفضل تقييم له: صمت عميق ومؤثر.. ودموع تترقرق في العيون لما احتواه الفيلم الوثائقي من مشاهد أليمة. إنها بعض المشاهد الحية للمجازر التي اقترفها الصهاينة في حق الأبرياء في قطاع غزة منذ سنة تقريبا، والتي عرضها الفيلم الوثائقي «إطلاق النار على فيل»، مساء أول أمس بقاعة العروض بدار الثقافة ابن خلدون المغاربية. «اطلاق النار على فيل» «To shoot an Elephant»، هو فيلم وثائقي صوّره وأخرجه، الصحفي الاسباني «آلبارتو آرسي» (Alberto Arce) صحبة الفلسطيني «محمّد رجيله». مشاهد مؤلمة الصحفي الاسباني، أراد من خلال فيلمه كشف الحقائق التي لا تبثها وسائل الاعلام أو التي تمنع أحيانا من التصريح بها فصوّر القصف الذي شمل مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية والأراضي الزراعية، والمدارس والجوامع وخاصة مدرسة الأنروا، بالاضافة الى الاسعافات وما شملته من مشاهد مؤلمة تقشعرّ منها الأبدان في مستشفى العودة، وفي هذا المستشفى بالذات يعرض الوثائقي حالتين، أثرتا في الجمهور الحاضر بشكل كبير، ونقصد بالحالتين، الشهيدتين الشقيقتين «هياء» (6 سنوات) و«لماء» طلال حمدان (4 سنوات) كما عرض الفيلم في خاتمته وفاة أحد المسعفين جرّاء إصابة نتيجة اطلاق نار عليه وهو بصدد التوجّه لحمل أحد الشهداء.. مشاهد مؤلمة حقيقة يعجز الانسان حتى عن وصفها ارتكبها الصهاينة في حق أبرياء لا حول لهم ولا قوة، بأسلحة دمار شامل، عرض منها الفيلم القنابل الفسفورية، التي يستحيل إطفاء نيرانها بالماء والتراب كبقية النيران، فكلما يتهيّأ إليك أنها انطفأت تشتعل من جديد، وفق ما جاء في الوثائقي «إطلاق النار على فيل». الصحفي الذي تحدّى الصهاينة وتجدر الاشارة الى أن «إطلاق النار على فيل» وقع تصويره في ظروف صعبة في الفترة الممتدة بين 27 ديسمبر 2008 و18 جانفي 2009، أي أثناء القصف الصهيوني على قطاع غزة، لكن الصحفي الاسباني أبى إلا أن يخوض تجربته الأولى في التصوير الحي لوثائقي يبرز فيه أو من خلاله الغطرسة الاسرائيلية وسفك دماء الأبرياء بقطاع غزة، وهو الذي لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من العمر. «آلبارتو آرسي» تحدّى الصهاينة، حين ظلّ رابضا بقطاع غزة لأداء واجبه النبيل، وهذا التحدي يتجلّى في كونه لم يأبه بمنع الجيش الاسرائيلي للصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة أثناء القصف لكن «آرسي» نجح في تحديه وبقي بالقطاع، ليظهر للعالم بأسره الجرائم المرتكبة في حقّ الأبرياء. وهذا الفيلم ليس الأول في مسيرة هذا الصحفي الاسباني، حيث صوّر في السابق وأخرج أربعة أفلام ثلاثة منها على فلسطين والآخر يهتم بالعراق، وبفيلمه الخامس تحصل على جائزة أفضل مخرج في «فلورونس». نقطة فنية «اطلاق النار على فيل» هو فيلم مصور ويوثق لمجازر حقيقية دون شكّ، لكنه أقرب ما يكون الى الريبورتاج أو النقل الصحفي للاعتبار التالي وهو أن المخرج والصحفي «آلبارتو آرسي» قسّم فيلمه الى محاور هي عبارة عن صور ومشاهد حقيقية عنون كل مشهد من الفيلم بعنوان خاص، بطريقة صحفية ومهنية، تأكدت أيضا في شهود العيان الذين تحدّثوا عن بعض التفاصيل المهمة للقصف (أرقاما ومسافات) وعن معاناتهم ومأساتهم في الشتاء الفارط. إذن ساعة ونصف الساعة من الزمن تقريبا، في فيلم لا يحتاج الى تعليق، كانت كفيلة بكشف الاضطهادات والمظالم التي تلحق بالأبرياء الفلسطينيين في قطاع غزة، وهي شبيهة بما يحدث في كل ركن من الأراضي الفلسطينية، عسى أن يشاهد كل انسان في هذا العالم هذه المجازر ويتأكد من مظالم الصهاينة ومجازرهم المرتكبة في حقّ الأبرياء بفلسطين.