حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي عندما طلب بورقيبة من «سي أحمد» بن صالح تكوين وفد، والسفر الى مصر لتأمين زيارة رسمية لبورقيبة الى القاهرة وقبل ذلك لإصلاح ذات البين، كانت العلاقات التونسية المصرية تمرّ بفترة حرجة، فيها من التشنّج، ما دعا بورقيبة على أغلب الظنّ، طلب تلك المهمة من «أحمد بن صالح» نظرا للرصيد الذي يحوزه الرجل لدى الطرف المصري.. صاحب المذكّرات تحدّث عن الوفد وعن الزيارة، وقد كان المرحوم محمد بدرة هو سفير تونس لدى القاهرة.. التاريخ كان سنة 1964... يضيف «سي أحمد» بن صالح حديثه عن الزيارة بالقول: «استقبلني الرئيس جمال عبد الناصر، في منزله الخاص، مع الشاذلي القليبي وسفير تونس لدى القاهرة محمد بدرة، وتحادثنا طويلا... في تلك الجلسة، أذكر أنني حدّثت عبد الناصر عن تقارب السياسات الاقتصادية وأن هذا المعطى من شأنه ان يدعو الى مزيد من التواصل والتعاون، وهنا كانت عبارته (عبد الناصر) التي اعادها مرتين او ثلاث مرات عن التجربة المصرية قائلا: «يا أستاذ أحمد التجربة المصرية فريدة من نوعها»... ومن جهتي قلت له في الثالثة (أي ثالث مرة لما أعاد العبارة): لنكن الاثنين (تونس ومصر) فريدين من نوعنا... المهم كان جو المقابلة ايجابيا، وقد أجلسني عبد الناصر في تلك الجلسة في بيته كما قلت، الى جانبه على طرف الأريكة التي كان يجلس في ركنها الأيمن وأنا في الركن الأيسر على نفس الأريكة... كان القبول أخويا ووديا، ولم يكن القبول لوزير يترأس وفدا يؤدي زيارة بل وكأن الوفد واحد منهم... بعد السلام والحديث عن التجربتين في تونس ومصر قلت لعبد الناصر: هذا تمهيد لزيارة الرئيس بورقيبة، والذي له علاقة بكم... والحقيقة كانت المسألة مفهومة من سياق الحديث، بأن في الامر تقدما بالعلاقات الثنائية وليس مصالحة فقط بين تونس (بورقيبة) ومصر (جمال عبد الناصر)». وهنا كشف صاحب المذكرات النقاب عن ان حفاوة الاستقبال المصرية، له وللوفد المرافق له، كانت في غاية الايجابية «حيث وقعت مفاوضات اقتصادية ووقّعنا بعض الاتفاقيات وكان القبول وحسن الاستقبال خارج النشاط الرسمي، وأذكر أنني بالمناسبة دعيت الى حفل «أم كلثوم» وكان حفلا خاصا اذ لأول مرة تغنّي «أم كلثوم» أغنية من تلحين محمد عبد الوهاب...». قلت ل«سي احمد» في تلك اللحظة، وكان عبد الناصر هو من تدخل ليجمع بين العملاقين في عمل واحد... فقال: «ربما... لا أعرف القصة... على كل كانت الاغنية وهي مشهورة جدا «إنت عمري»... المهم، حضرت أول الحفل، ولما أردت الخروج... قيل لي: كيف تغادر، و«الست» ستغني لأول مرة أغنية من تلحين محمد عبد الوهاب؟ فقبلت البقاء ونقلوني الى مكان آخر، حيث وجدت نفسي في شرفة LOGE، وكان الحفل ممتعا اذ وجدت نفسي في هذا المكان أنا وعبد الوهاب... حيث وقع نوع من التعاطف وتبادل أطراف الحديث، تخللتها بعض النكت والمزاح... استمعنا أنا وعبد الوهاب ومن نفس المكان، الى «أم كلثوم» تؤدي «إنتَ عمري» حيث رأيت الملحن (عبد الوهاب) يعبّر عن نوع من الارتياح للأداء... وكنت من LOGE أشاهد في الصف الاول الشاعر أحمد رامي يهلّل «لأم كلثوم» وهي تغني.. وكان بيده الطربوش و«العكّاز».. كانت سهرة ممتعة مع المرحوم محمد عبد الوهاب، فقد عرفته، مباشرة، يومها..وقد تذكّرت أنني ولما كنت تلميذا بالصادقية، بداية الأربعينات، كنت أنا وأقراني نحفظ عن ظهر قلب أغنيته التي تقول: «أيّها الرّاقدون تحت التراب جئت أبكي على هوى الأحباب كان أنيسي، وكان توأم روحي» كنّا نسمع هذا القصيد الذي يغنّيه عبد الوهاب، في المقهى المقابل لجامع الزيتونة، أي تحت (الصبّاط) في نهج جامع الزيتونة، وكان رفيقي في هذا الأمر محيي الدين الفكيني وهو شقيق ليبي، وشغل وزيرا أول عهد السنوسي». فإلى حلقة قادمة وتطوّرات جديدة إن شاء اللّه.