لم أستغرب نتائج الاستطلاع الأخير التي بيّنت هُزال العلاقة بين التوانسة والقراءة. فلهذا الهزال أسباب ليس من أقلّها ازديادُ ضحالة البضاعة السمعيّة البصريّة. وهو جزءٌ من الهزال الذي أصاب الكثير من أشياء حياتنا اليوميّة. وكأنّها مصنوعة من ذلك القماش الذي ما أن يمسّه الماء حتى نقول إنّه «شرب»، وقصْدُنا أنّه تقلّص وضمُر ونقص حجمه ووزنه. تذهب إلى المقهى فيجيئونك بفنجان في حجم نرد الخياطة. ولعلّك تضطرّ قريبًا إلى أن تطلب رشفة شاي عوضًا عن كأس الشاي وملعقة من القهوة عوضًا عن فنجان القهوة. وقد يصبح من مشمولات النادل أن يُلقمك ملعقة القهوة في فمك مباشرة!! الأمر نفسه يصحّ في شأن الخبز. شيئًا فشيئًا أخذ وزن الرغيف يقترب من وزن الريشة. وليس غريبًا أن تخرج حاملاً خبزتك في اليوم العاصف فتُطيّرُها الرياح من بين يديك، فإذا أنت تجري وتصيح «الخبزة طارت...الخبزة طارت»!! ممّا يذكّرني (والشيء بالشيء يُذكر) بمقطوعة لأبي الشمقمق يقول فيها: شَرابُكَ في السَرابِ إِذا عَطِشنا وَخُبزُكَ عِندَ مُنقَطِعِ التُرابِ/ رأيتُ الخُبز عَزَّ لِدَيكَ حَتّى حَسِبتَ الخُبزَ في جَوِّ السَحابِ... طبعًا...أشياؤُنا «الشاربة» هذه الأيّام أكثر من هذا بكثير...والأمل كلّ الأمل أن يكون هذا حدّ البأس ونهاية الهزال...وأن لا «تشرب» العقول بعد أن «شربت» الأحجام والأطوال.