بعد 10 أشهر زاخرة بتنوع العروض وتواتر الزيارات الدولية والمشاركات الوطنية والجهوية توشك القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية 2009 ان تعلن ختامها بعد ان أشهرت زينتها ولبست أجمل حلتها لاستقبال ضيوفها مع حلول المولد النبوي الشريف ليكونوا على اعلى مستوى في موعد عرس الختام. عاصمة الأغالبة منارة العلم والأدب احتضنت منذ مشهدية «القيروان الخالدة» الافتتاحية، ندوات وملتقيات علمية دولية كبرى مثل «حضور الإسلام والحضارة العربية في شمال المتوسط» و«القضاء في القيروان والمغرب الإسلامي» و«الفجوة الرقمية ومتطلبات مواجهتها» و«حوار الحضارات» ومعارض وعروض مسرحية وسينمائية وأسابيع ثقافية لدول إسلامية ومهرجانات. جميعها ذكر بمجد القيروان وإسهاماتها ودور رجالاتها. وقد حازت التظاهرة على امتداد ذلك اهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية الى جانب الإعلام المحلي الذي خصص للتظاهرة مساحات بسخاء. التظاهرة وعروضها تركت انطباعات ردود فعل متباينة بين ممجد ومشيد ومتحفظ منتقد. فأسالت حبرا وتجادلت بشأنها ألسنة. ولئن أشار البعض الى أهمية التظاهرة ودورها في إشعاع القيروان بصفة خاصة وتونس بصفة عامة وفي ترسيخ قيم الحوار والتبادل الثقافي علاوة على الأثر الايجابي في البنية التحتية بالقيروان... الا ان ذلك لم يمنع من تسجيل بعض المؤاخذات دونها البعض وروجها البعض الآخر واحتفظ بها كثيرون في سريرتهم. فماذا بقي من التظاهرة من اثر نفيس وكيف حوصل مثقفو القيروان تظاهرة 2009 وما مدى نجاح العاصمة الثقافية في الإشعاع على أبنائها واحتضانهم والاستماع الى نبض فكرهم. «الشروق» تجولت بين عدد من المثقفين والمتابعين للتظاهرة والمغيبين بسلة القوا فيها خواطرهم وانطباعتهم الباقية من التظاهرة. حراك ثقافي وفكري السيد حمادي الجوّادي المنسق الجهوي لتظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية الذي تحمل العبء الأوفر من مسؤولية التظاهرة وجند معه زملاءه على سبيل التطوع أكد أن برنامج التظاهرة كان ثري التنوع جمع بين العلم والجد والترفيه. وقد كانت التظاهرة برأيه مناسبة لالتقاء العلماء والباحثين والمثقفين من القيروانوتونس ومن جميع أنحاء العالم كما استفاد منها الطلبة أيضا. وبين أن سنة 2009 شهدت عروضا مميزة بين مختلف المعالم الدينية والمركب الثقافي وقاعات العروض التي لم تكد تشهد شغورا لفنانين من تونس وخارجها مما أضفى على المشهد الثقافي بالجهة حركية كبرى من خلال العروض الموسيقية التونسية والأجنبية والمهرجانات المسرحية والسينمائية والندوات الشعرية. وأكد الجوادي ان حلم القيروان تحقق في هذه السنة. مبينا ان النجاح المحقق يمثل عبءا ثقيلا على كل غيور على القيروان حتى تستمر نسق هذه التظاهرات. موضحا انه لا يسع القيروان وأهلها الا ان تتوجه بالشكر الى رئيس الجمهورية ووزير الثقافة ووالي القيروان والمرحوم جعفر ماجد وكافة السلط الجهوية والمتطوعين من الشبان الذين عملوا بكل ما في وسعهم لإنجاح التظاهرة. ومن بين المتطوعين، الشاب الجامعي علي المحمدي الذي قدم بعض المعطيات الإحصائية عن التظاهرة التي تضمنت أكثر من 265 نشاطا بين ندوات ومعارض وعروض موسيقية ومسرحية وشعر ومهرجانات وأنشطة اخرى على امتداد 10 أشهر بمعدل 26 نشاطا كل شهر ويأمل المحمدي ان تكون خاتمة هذا العرس بالزيارة المرتقبة لسيادة رئيس الجمهورية. غاب الجمهور... والمثقف؟ الكاتب والصحفي عادل النقاطي عضو لجنة الإعلام والمشرف على الموقع الالكتروني للتظاهرة أشار الى زخم الندوات التي شهدتها التظاهرة مبينا حدوث حالة إشباع من هذه العروض النخبوية التي شاركت فيها عديد الوجوه من المثقفين والأخصائيين. غير انها جرت في قاعات مغلقة وبشكل محدود جماهيريا ولم يسهم فيها المثقف من بعيد أو قريب. وبحسب النقاطي فان مختلف العروض غاب عنها عنصر الفرجوية والاحتفاليات الموجهة للجمهور سواء بالساحات العامة أو داخل المركب الثقافي الذي لا تتجاوز طاقة استيعابه النخب المثقفة(800 مقعد). ولئن بلغت نسبة الأنشطة ذات الطابع الوطني والجهوي (70٪)، في حين شكلت نسبة التظاهرات ذات الطابق الدولي (30٪). فان العروض التي قدمها أبناء القيروان او شاركوا فيها تعد على الأصابع مما حرم مبدعي عاصمة الثقافة من المساهمة والمشاركة بأعمالهم. واذا كان عدد كبير من المبدعين والمثقفين قد دعي الى إحدى عروض التظاهرة وان لم يشرّك، فان الشاعر المنصف الوهايبي سجل الاستثناء. وأكد الشاعر القيرواني الذي ذكره السيد وزير الثقافة في زمرة شعراء القيروان انه لم يتلق دعوة للمشاركة من أي طرف وهو أمر لا يعقل بحسب قوله مؤكدا انه لا يجد له تفسيرا. لكن غيابه عن الكواليس لم يمنعه من متابعة أصداء التظاهرة التي تعيشها مدينته عبر الصحف ومن بينها «الشروق». وأكد الوهايبي الذي يستعد للمشاركة في معرض للكتاب بالمغرب ان متابعته الصحفية لا تخول له حسن النظر في العروض لكنه اكد ان مشاركة مثقفي جهته متوسطة مشيرا الى ان بعض العروض لم تكن في حجم التظاهرة الدولية بقدر ما كانت محلية. مفارقة البرمجة و«الأرض» برمجة العروض كانت تتم في تونس حيث تعمل لجنة الإعداد بينما يتم تنفيذها في القيروان بأيدي أبنائها المتطوعين دون قدرة على الاجتهاد او الإضافة بحسب المسرحي محمود بوقميزة الذي أسند ملاحظة فوق المتوسط للتظاهرة بمختلف عروضها. وما يميزها بحسب متابعته هو بروز ونشر عديد الكتب والاصدارات عن القيروان من بيت الحكمة خصوصا. الى جانب العروض المتميزة ومنها الإنشاد الصوفي والأسابيع الثقافية السورية والمصرية والسعودية والإيرانية. الا ان المسرحي بوقميزة لم يخف وجود بعض الثغرات التي لم تحجبها العروض الكبرى والمتميزة ومنها غياب القيروان عن صناعة الحدث الثقافي للتظاهرة بسبب تلقيها البرمجة جاهزة. كما أشار الى مشكل تزامن انطلاق التظاهرة مع تواصل الأشغال بمختلف شوارع القيروان مشيرا الى ضعف مساهمة أبناء العاصمة الإسلامية في العروض وغياب عنصر دعم المهرجانات المحلية التي رفعت من مستوى العروض (ربيع الفنون ومهرجان المونولوج والمسرح الحديث...) دون ان تتلقى الدعم الموعود. نقطة تحول ومستقبل وبقدر ما أثار حفل افتتاح التظاهرة إعجاب المسرحي طارق العلاني فإنه امل ان يكون حفل الاختتام بنفس القدر الفني. غير ان العلاني الذي اكد وجود الغث والسمين في التظاهرة اكد ان الاحتفالية لم تثر ضجة بحجم التظاهرة ولم تعش الجماهير القيروانية والوطنية التظاهرة ولم يتفاعل معها كما يتفاعل مع المولد. تظاهرة القيروان 2009 كانت نقطة تحول في تاريخ القيروان واهدت للقيروان معان كبيرة بحسب الأستاذ عامر الجريدي الوجه الجمعياتي والاتصالي الذي أكد أن القيروان كسبت أشواطا كبرى على درب تأهيل ننشده منذ ربع قرن. مؤكدا بقوله «ذلك أننا لمْ نحسن التعامل مع الدولة العصرية، ولم نقدّر ردّ الاعتبار لها من طرف سيادة الرئيس زين العابدين بن علي فكانت تظاهرة «القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية 2009» الفرصة التي جعلت أهل الثقافة والفكر والإعلام والاتصال يشيرون إلى أهمّية الحدث لإيلائه العناية التي يستحق. . ولولا الرئيس بن علي لمْ تكن التظاهرة لتنجح بالنظر للتقصير الذي نعيبه على أهلينا أوّلا، وعلى «البعض» الآخر من غير أهلينا». وبين ان القيروان2009 كانت فرصة لقاء مباشر بين القيروان وقائد أعطاها حقّ قدرها وأكثر؛ ومحطة في تاريخها الحديث تبدّل فيها وجهها بما يشرف تونس وهي إحدى عواصمها التاريخية وقد حُكِم عليها بالنسيان على مدى ثلاثة عقود خلت؛ وفترة تشكّل فيها رأيها العام وتوطدت فيها «حركتها» السبرانية البنّاءة المفيدة؛ وعاشت كعاصمة للثقافة الإسلامية وأكثر وقد توافدت عليها الشخصيات من مختلف أصقاع العالم... وبرأي الجريدي، فإن 2009 تعد أوّلا وأخيرا نقطة تحوّل في صورة المدينة من الرداءة إلى معالم التطلع لغد أرحب يكرس الأصالة التي ترقى إلى مدنية القرن الواحد والعشرين، وما القيروان السبرانية وحسن استعمال قنوات الاتصال الحديثة إلاّ خير دليل على أنّ أهل الذكر والفكر والرأي بالقيروان أتيح لهم بالفعل مجال الإسهام في مدينة عُرفت بإقصاء زبدة رجالها ونسائها عن مدارات الفعل والتأثير. الشاعر محمد الغزي كانت نظرته استشرافية مستقبلية منطلقها تظاهرة 2009. مبينا بقوله، «عشنا سنة ثقافية مميزة مما جعل مدينتنا تستعيد وظيفتها الأولى أعني الوظيفة الثقافية. الآن على أهالي القيروان ومثقفيها ان يجعلوا من هذا العرس السنوي عرسا دائما وان يجعلوا من مدينتنا عاصمة أدبية للثقافة العربية الإسلامية. وفي غمرة الاحتفالات الثقافية المتميزة والاحتفاء برجالات القيروان مثلت وفاة الشاعر جعفر ماجد المنسق العام للتظاهرة ابن القيروان أبلغ الأحداث على الساحة الوطنية التي صبغت التظاهرة بلون الحزن والكآبة ما أثر في صيرورة العروض وبعثر نظمها. ومن المنتظر ان يشهد حفل الختام الذي ستعيش القيروان على وقعه ايام المولد النبوي الشريف تدشين معلم تذكاري يخلد احتفال المدينة باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية كما يشهد عرس الاختتام عرضا للموسيقى الصوفية تحت عنوان «بحور العشق» يقدمه الفنان التونسي المهاجر خالد بن يحيى بمشاركة نخبة من الفنانين.