عمان «الشروق» حاورته مبعوثتنا الخاصة: فاطمة بن عبد اللّه الكراي هو رئيس مركز الدراسات التابع لجريدة «الرأي» الأردنية وهو كذلك رئيس المنظمة العالمية للصحفيين (OIJ) التقيته في عمان وكان يضع اللمسات الأخيرة لانتقال مقر المنظمة من براغ إلى عمان.. الأستاذ سليمان القضاة، أحد مؤسسي كوكبة من الصحف العربية (الخليجية) وهو من المهندسين الصحفيين الأوائل الذين أصدروا «الرأي» تصورا ومضمونا.. يحظى باحترام شديد، ومواقفه السياسية لا تبعد المغرب عن المشرق وهي مواقف تنمّ عن انتماء عربي لا يشق له غبار. الأستاذ سليمان القضاة تحدث عن العراق بحكم القرب والانتماء ووصف الوضعين العراقي والفلسطيني بالمترابطين ورفض أن يكونا متشابهين فقط. التقيته في عمان ضمن الملف الموسع حول قضيتي فلسطين والعراق فكان هذا الحوار الذي ألقى فيه الضوء على الوضع العربي الراهن وتفاعلاته مع الملف العراقي وكشف كذلك النقاب عن حقيقة التعاطي الأمريكي مع الملف العراقي، وكيف أن بغداد ضربت من أجل النفط واسرائيل.. حيث يرى أنها مسّت المحظورين: النفط وأمّمته واسرائيل وضربتها. * الأردن على خطوط التماس مع العراق، واليوم يمرّ هذا القطر العربي بمحنة. تارة نراها أزمة وطورا نراها فوضى مقصودة حتى يتراجع العراق إلى مصاف الدول الأشد تخلفا وفقرا. كيف ترى من وجهة نظر واقعية واستراتيجية المستجدات في العراق؟ الهاجس الآن والذي يسيطر على الشارع العراقي والشارع العربي هو هاجس التقسيم والفوضى الأمنية التي تحدث. يضاف إلى ذلك الأطماع الاقليمية من بعض دول الجوار. أما على الصعيد الخارجي فمن الواضح ان الاصرار الأمريكي على السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد والسيطرة على ثرواته ومقدراته والابقاء على العراق كقاعدة أمريكية عسكرية، وبالتالي اسرائيلية هو استراتيجيا أمريكية ليست وليدة اللحظة بل هي مدققة منذ زمن. هذه الاستراتيجية تنطلق من أساسين: الأول: السيطرة على النفط وحماية استغلاله، وهذا يهم كل نفط الخليج بلا استثناء. والعراق تمسّك بهذا الاستثناء (التأميم) لذلك لم يغفر له هذا الأمر. والثاني: حماية أمن اسرائيل. والآن بوجود الاحتلال الأمريكي حققت واشنطن الهدف الأول وتسعى إلى تحقيق الهدف الثاني. فكلنا نسمع عن الوجود الاسرائيلي في العراق.. الوجود الظاهر والوجود الخفي. وفي ظل غياب دور عربي فاعل تنفرد الولاياتالمتحدة بالسيطرة على مقدرات العراق كاملة. أما الوضع الحالي وعلى الصعيد المحلي العراقي، فإننا نجد أن الولاياتالمتحدة سلمت السلطة إلى «الحكومة العراقية المؤقتة» وتحاول الآن أن تتخلص من العبء الأمني وكذلك العبء السياسي. أي أنها تريد أن تتخلص من الورطة التي وجدت نفسها فيها. سواء على الصعيد الأمريكي الداخلي والذي فضح الغزو وأسسه، أو على الصعيد العراقي نظرا لاشتداد المقاومة وعدم وجود مستقبلين عراقيين للأمريكان بالورود كما قيل سابقا. وفي ظل تنامي العداء لأمريكا ليس فقط على الصعيد العربي بل العالمي. هذا كله جعل واشنطن تسارع إلى تحميل الأعباء إلى العراقيين. وعلى الصعيد الدولي تحاول واشنطن أن تحمّل المجتمع الدولي العبء السياسي والأمني من خلال الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. هذا المشهد الذي يتم في ظل تنامي المقاومة العراقية يطرح تساؤلا كبيرا وهو هل ستنجح الحكومة العراقية المؤقتة في مهمتها أي في مواجهة التحديات التي تقف على باب العراق وأولها خطر التقسيم، وخطر الحرب الأهلية وخطر الانفلات الأمني والعودة بالعراق إلى الموقع الطبيعي على الساحة العربية والعالمية؟ في اعتقادي هذه المهمة لن تنجح إلا من خلال تألق عراقي شعبي كامل لمواجهة: أولا: الاحتلال وما يرسم الآن بالوجود الأمريكي في قواعد عسكرية يخطط لها أن تكون دائمة ودون أن تتبنى هذه الحكومة حلا سياسيا للمقاومة وليس عسكريا أو أمنيا. وثانيا: إذا لم تكن المقاومة شريكا في الحياة السياسية فإن الأمر سيزيد من المخاوف الأمنية. * بحكم قربك من الساحة العراقية فكريا ووجدانيا وجغرافيا، كيف تقيّم ردود الفعل العربية في سلبيتها تجاه ما حدث للعراق من زلزال غير مسبوق؟ أولا ردود الفعل العربية لا أقول سلبية بل هي باهتة وغير فاعلة الكل ينتظر. رسميا بارك العرب مسألة «تسلم» السلطة أو انتقال السلطة. لكن إذا ما أخذنا المسألة من بوابة الانعاكاسات فإن الموقف العربي كان باهتا. وهذا واضح للجميع لكن هذه الانعكاسات تظهر بشكل جلي على صعيد الجوار للوطن العربي. تركيا والأردن لكن أضيف مرة أخرى وأؤكد بأن هناك أطماعا اقليمية في المنطقة خطيرة جدا على وحدة العراق وعلى مستقبله وعلى ثرواته وعلى موقعه الاستراتيجي والسياسي. هناك دول أخرى عيونها مفتوحة على «الكعكة» العراقية المتوقعة. فالعراق سوق كبيرة وهو بلد مدمّر وبالتالي فإن مشاريع اعادة الاعمار تفتح العيون. العيون مفتوحة على ثروات العراق. هذا ينعكس بشكل ايجابي أو سلبي على العراق. البعض الآخر عيونه مفتوحة على الاحتمالات الأمنية وتأثيرها على الوضع الداخلي للدول العربية، وخاصة دول الجوار، أما الدول التي ليس لها مطامع في الأرض في العراق فإن عينها على الاقتصاد وإعادة الاعمار. * هل من توضيح مع ذكر كلّ جار وموقفه ونظرته؟ لتركيا مثلا هاجس أمني مرتبط بوضع كردستان العراق، فهذه مسألة يعلمها الأمريكيون جيدا.. فالوضع الأمني بالتأكيد يؤثر على دول الجوار. العلاقة الأردنية العراقية كمثال. مواطنون عدة (أردنيون) فقدوا حياتهم جراء الوضع الأمني المتدهور (سائقو الشاحنات) هناك تقارير عن عديد المعتقلين الأردنيين في سجون الاحتلال أيضا. أما حركة تنقل رؤوس الأموال والأشخاص فهي أيضا تعاني من تردد. في المقابل لا يوجد هناك تحرك سياسي عربي باتجاه دعم الشعب العراقي والخلاص من الوضع الراهن المتفجر من باب الاعتماد على مقولة: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. هناك قرار من معظم دول الجوار برفض ارسال قوات متعددة الجنسيات، وهذا مفهوم، لكن مساعدة العراق لا تؤخذ من هذه الزاوية فحسب. هناك ضغوطات على الأردن، دولية أمريكية للمشاركة في «القوة» لكن حساسية الوضع والعلاقات الشعبية العميقة جدا بين الأردن والعراق لا تسمح بذلك. بالمقابل هناك تواجد طبي أردني مكثف بالعراق. هناك مستشفى أردني في الفلوجة عالج ويعالج المرضى والجرحى الذين أصيبوا برصاص الاحتلال. أما عن قوات الشرطة وقوات الجيش فالأردن يدرب حوالي 30 ألفا منهم. * ما مدى تطابق ما يحدث في فلسطين مع ما يحدث في العراق من وجهة نظر أردنية؟ هو ليس تطابقا بل هو ترابط. ليس الوضع في العراق مشابها لما يحصل بفلسطين، بل هناك ترابط بين الوضعين. الاستراتيجية الأمريكية واضحة، وهي تحوم حول النفط واسرائيل. طبعا كان النظام العراقي شوكة في حلق اسرائيل بموقفه الرافض لأي تهاون مع الكيان الاسرائيلي. العراق كان الدولة العربية الوحيدة التي ترفض اتفاقية سلام أو التقارب السلمي مع الكيان الصهيوني. هذه من الأسباب الرئيسية التي ضرب منها العراق. عقابه جاء لأنه اقترب من محظورين أمريكيين: النفط واسرائيل. العراق هو الدولة النفطية العربية الوحيدة التي استعملت ورقة النفط للتهديد وهي الدولة الوحيدة التي هددت وضربت اسرائيل. وفي الاستراتيجيا الأمريكية نجد أنه غير مسموح لأي دولة عربية أن تبني قوة تحاكي قوة اسرائيل.. ومصر والعراق مثال من 1973 إلى 2003 . * كيف ترى محاكمة الرئيس العراقي التي بدأت للتو تحت عناوين مختلفة عن التي قدمت بها المسألة أول مرة: أي احتلال وأسر وبالتالي محاكمة دولية؟ إن المحاكمة وفق التفاصيل القانونية، هي محاكمة للنظام وليست فقط لصدام. ومن المعقول إذا تمت محاكمة رئيس دولة أن يعمم هذا على الجميع، أي بوش أيضا. الذي حصل يدخل ضمن الخطة الأمريكية للتخلص من الورطة العراقية، وتحميل أعباء هذا إلى العراقيين أنفسهم، وبالتالي الحكومة العراقية الجديدة ستلعب بهذه الورقة عراقيا وخليجيا.