[email protected] «قتلتنا الردّة.. حتى أن الواحد منّا يحمل في الداخل ضدّه». هكذا قال الشاعر العراقي الكبير مظفّر النواب واصفا أوضاع الأمة الممتدة بين الخوف والخجل.. أما نحن هنا في تونس فقد قتلتنا «الكرة» والدليل ان أي لقطة من أي مقابلة لأي فريق في اي درجة نقوم بتحليلها عشرات المرات بطريقة ميكروسكوبية لا مثيل لها... فنشاهد اللقطة على المباشر عديد المرات... ونعيدها في «الأحد الرياضي» عديد المرات ويتحدث عنها هشام قيراط عديد المرات ثم نراها في سويعة سبور عديد المرات ويتكلّم عنها يونس السلمي عديد المرات وبعدها نضعها تحت مجهر «بالمكشوف» عديد المرات ويتحدث عنها الحاضرون عديد المرات... وقبلهم يتحدث عنها أطرافها عديد المرات ثم يحيلون الكلمة للشارع الرياضي ليتحدث عنها في الحافلات والمترو والمقاهي وحوانيت الكسكروت والأكلات الخفيفة (هرقمة ولبلابي) والمحطات و«البارات» وحتى داخل المساجد والمقابر... ملايين البشر يتكلمون عن لقطة.. ويحللونها كل بطريقته وحسب هواه... والكل يدّعي امتلاك الحقيقة والصواب... والكل يعلّق على بقية التحاليل ويبرهن على صحة اعتقاده بالحجة والدليل.. هذه هي الكرة في أحلى مظاهرها... وهؤلاء نحن في أتعس مظاهرنا... كلنا نحلل من الكبير الى الصغير الى «اللّي يدبي على الحصير» حتى صارت لديّ قناعة بحجم هذا البلد الصغير بأننا نحتاج جميعا الى «تحليل» لنكتشف سبب هذا الداء الخطير او على الأقل نحتاج الى «تحليل» يقنعنا بأننا الى الأمام نسير ويطمئننا على حسن العاقبة وحسن المصير.. على جناح الأمل أنا على يقين بأنه لو ذهبت كل هذه التحاليل الى الواقع المعيش... سنكون أفضل من يعيش..