فرصتان مرتا على العالم العربي في غضون انشغاله بقضية استئناف المفاوضات الفلسطينية الصهيونية وما تبعها من إيقاف وهمي للاستيطان .. فرصتان استغلهما الكيان الصهيوني في غمرة اهتمام النظام الرسمي العربي بالتهديدات الأمريكية الإسرائيلية بضرب طهران أو دمشق في حال ثبت تزويد الأخيرة «حزب الله اللبناني» بصواريخ «سكود» .. المناسبة الأولى تمثلت في إضاعة فرصة الحيلولة دون انضمام تل أبيب ل«منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية».. الهيكل الاقتصادي الدولي الذي لن يوفر لإسرائيل مقعدا دائما ضمن الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا فحسب وإنما سيمنحها استثمارات تجارية جد مربحة من شأنها «إنقاذها» من نير الأزمة المالية التي تعصف باقتصادها حاليا . في مثل هذا الظرف الدولي الحرج لإسرائيل حيث تنحسر قوتها السياسية والاقتصادية تباعا بفضل نشاط المقاومة العسكرية والثقافية والسياسية .. يصبح الانضمام إلى تكتل دولي ورقة سياسية مربحة لإسرائيل في وجه العمل النضالي الساعي إلى فصل تل ابيب عن قيم الديمقراطية والتعايش المشترك والعدالة الاجتماعية ..كما يصبح الانخراط في مثل هذه المؤسسات فرصة لإسرائيل حتى تسترد أنفاسها من الضغط السياسي المسلط عليها من طرف أنقرة خاصة ودول الممانعة عامة . أمام هذا الواقع الحساس , اختار النظام الرسمي العربي الانسحاب من هذه الساحة النضالية وفسح المجال رحبا أمام تل أبيب ..في حين أنه كان بإمكان الدول العربية أن تعطي انطباعا بأنها لا تختزل مقاومتها السياسية السلمية في رقعة جغرافية محددة فلسطينالمحتلة .. وإنما تتجاوزها لتلاحق أي جهد إسرائيلي للتوسع والتنفذ . كان بإمكان الدول العربية , أن تسجل حضورها بتحرك ديبلوماسي نشط يستحضر صور الحرب على غزة أو على جنوب لبنان للتذكير بأن إسرائيل تضرب في الصميم المقاربة الليبرالية القائمة على التوازي بين المسار الحرياتي والانفتاح التجاري .. كان بإمكان الدول العربية , أن تتصرف مثلما تصرفت تل ابيب لدى سعيها إلى الحيلولة دون وصول المرشح المصري فاروق حسني إلى سدة «اليونسكو» وأن تستنفر الأصدقاء والحلفاء للتماهي مع مطالبها . كان بالإمكان ..ولكنها أبت إلا الحضور بالغياب .. ذات الحال ..لمسناه لدى دول منابع نهر النيل تحولوا في غضون العشرية القليلة الماضية إلى الحديقة الخلفية لتل أبيب في القرن الإفريقي .. في أقل من عشر سنوات شيدت إسرائيل في تلك البلدان المؤسسات التجارية واستثمرت في بنيتها التحتية ومولت المشاريع الكبرى الحكومية منها والخاصة ..وفي أقل من عشر سنوات استحالت تلك العواصم عصا لينة «صهيو أمريكية» توجهها تل أبيب وفق رؤاها للمنطقة وحسب سعيها إلى ضرب الأمن القومي للخرطوم والقاهرة ومن ورائهما العالم العربي . ولأكثر من عشريتين , والرؤية السياسية العربية تجاه هذه المنطقة «مغيبة» والمال العربي موجه إلى إعلام ليس بإعلام وإلى علاقات اقتصادية وهمية وإلى استثمار في «الدمار» .. من مكامن الإشكال في العالم العربي , تيقظه في الوقت المتأخر ..وانتباهه عند تفتق نتائج سياسات طويلة وقديمة .. عندها يستحيل الاستدراك وتصبح جهود الترقيع ضربا من «المأساة اليونانية» .. من حقنا كعرب ..أن نتهم أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالتواطؤ مع إسرائيل وبتجاوز مآس إنسانية اقترفتها آلة الحرب الصهيونية ...أو أن نتهم دول منابع النيل بالخضوع للسياسات الصهيو أمريكية عبر توقيع اتفاق إطار ينقلب على حصة مصر والسودان من مياه النيل التاريخية .. من حقنا التنديد والصراخ قبل «التفرج» على منظومة العلاقات الديبلوماسية ... من حقنا ذلك .. طالما أننا تمسكنا برؤية سياسية وتشبثنا بتصور سياسي يتيم يقوم على الغياب والعتاب ...