اصلاح انظمة التقاعد في بلادنا والذي نظر فيه مجلس وزاري انعقد امس باشراف الرئيس بن علي، هو مشروع استراتيجي هام، بالنظر الى اتساع شريحة المتقاعدين واستمرار توسع تلك الشريحة مستقبلا. وطرح هذا المشروع امام مجلس الوزراء، بعد ان شكل نقطة هامة في البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة، يعني الانطلاق الفعلي في بحث البدائل والافكار الممكنة لتكريس هذا الاصلاح واقرار الاجراءات الكفيلة بذلك. اصلاح اصبحت تفرضه التغييرات الديمغرافية التي عرفتها بلادنا، والتي تتسم بعدة مؤشرات منها خاصة، الاتجاه نحو «التشيخ» وارتفاع عدد المتقاعدين مقارنة بعدد الناشطين، الامر الذي بدأ ينعكس سلبا على التوازنات المالية لصندوقي التقاعد في القطاعين الخاص والعام. هذا الاصلاح ينبغي ان يحافظ ويدعم صبغته التضامنية، كما حث على ذلك رئيس الدولة لدى اشرافه على المجلس الوزاري، كما انه ينبغي ان يحافظ خاصة على حقوق المتقاعدين. فهذا الاصلاح ينبغي ان يجعل من حياة التقاعد، فرصة جديدة، او حياة ثانية امام شريحة المتقاعدين التي كدّت وعملت لسنوات، بل لعشرات السنوات، من اجل تقاعد مريح يكفل لها الكرامة والاستقلالية في كل حالاتها وظروفها. صحيح ان الصناديق الاجتماعية مهددة في توازناتها المالية خلال السنوات القريبة القادمة، ولكن ذلك لا ينبغي ان ينعكس سلبا على مستوى الخدمات او على حجم منحة التقاعد الموجهة للمتقاعدين من ناحية. كما لا ينبغي ان ينعكس في الترفيع في نسبة مساهمة الطبقة الشغيلة في حجم الادخار الموجه للتقاعد من ناحية اخرى، او في الترفيع في عدد سنوات العمل بصفة اعتباطية، وخاصة بالنسبة للاعمال الشاقة. وقد جربت بلادنا الترفيع في سن التقاعد بالنسبة لشريحة الجامعيين الى سن الخامسة والستين فيما بدا الاصلاح مطلوبا من الجامعيين انفسهم، اذ لا يمكن الادعاء بوجود سن يقف فيها الجامعي عن العطاء الفكري والبحثي. وعلى غرار الجامعيين يمكن التعامل بمرونة مع كل قطاعات العمل، للترفيع في سن التقاعد كلما كان الامر مطلوبا، وللتخفيض من سن التقاعد كلما كان الامر مطلوبا من ناحية اخرى في بعض الاعمال الشاقة، او حسب الرغبة الفردية، نحو الترفيع او التخفيض. الامر الذي يكفل مرونة وتوازنا، ويضمن عائدات مالية لصندوقي التقاعد، كما يضمن امكانات واسعة لتوظيف جميع طالبي الشغل. المعادلة دقيقة اذن، بالنظر الى ضرورة ارتباط كل ذلك بمتطلبات الاقتصاد، ولكن كل اصلاح ينبغي ان يضع الانسان، خاصة في مرحلة شيخوخته (عندما يكون مهددا بالمرض او الوحدة...)، في جوهر اولوياته. كما انه ينبغي البحث في الحلول على مستوى تفعيل الجانب الاستثماري لصندوقي التقاعد حتى يصبحا منتجين لفائدة منخرطيهما، كما هو الامر بالنسبة لبعض البلدان الاخرى. رئيس الدولة ذكّر، في المجلس الوزاري الذي أشرف عليه، بالثوابت التي ينبغي مراعاتها، والتي تؤمن حسب قوله،العدالة الاجتماعية، وذلك طموح كل مواطن او متقاعد يتمنى ان يتم تجسيده في مختلف الاصلاحات التي تمسه بصفة مباشرة.