من عجائب الدنيا القديمة السبع (معبد ديانا) في (أفسوس) قام بحرقه سنة 356 قبل الميلاد أحد الحمقى طمعا في أن يخلّد اسمه لأن الناس قد ينسون اسم من بناه لكنهم لا ينسون من أحرقه، ورغم أن المؤرخين قد حرصوا على أن يعاملوه بنقيض مراده، واتفقوا على إهماله، فإنه قد تسلل الى بعض كتب المولعين بكل دقيقة ورقيقة. ونحن لا نحاول البحث عنه لنحرمه من هذه الشهرة التي كان يسعى اليها. ولست أدري هل كان الكاتب الخاص بالدكتور طه حسين يسعى الى مثل ما كان يسعى اليه ذلك الأحمق الذي أحرق معبد ديانا وهو احدى عجائب الدنيا القديمة السبع عندما سعى الى مخاصمة عميد الأدب أم أن ذلك كان سعيا أخرق لا طائل تحته؟ وأعود الآن الى ما ذكرته عن هذا الشخص ففي الحلقة الاولى من (ذكرياتي الخاصة جدا)، التي كتبتها في هذا الركن، عن عميد الادب الدكتور طه حسين في الجامعة المصرية في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، قلت: (مازلت أذكر أول مرة شاهدت فيها طه حسين، يتأبط ذراعه كاتبه الخاص فريد شحاتة وهو يسعى به الى فصلنا المجاور لقاعة الاساتذة ذات يوم اربعاء مساء، ومازلت أذكر أن مصاحبه قد كان يجلسه، خلف منضدة صغيرة على الكرسي المتواضع الذي يجلس عليه جميع أساتذة ذلك الفصل. وكان مرافقه المذكور يظل واقفا في آخر الفصل مستندا الى الجدار طوال الوقت في معظم الاحيان، وقلما يجلس حتى عند وجود المقاعد الخالية، ولا يغادر الفصل أثناء الدرس إلا نادرا). لقد كان هذا المرافق والكاتب الخاص لطه حسين يلازمه أينما ذهب في الجامعة أو خارجها، وفي حلّه وترحاله داخل مصر وخارجها عقودا عديدة، ولكني أسفت شديد الاسف عندما قرأت، في بعض الصحف، أنه قد عقّ أستاذه عقوقا كبيرا وهو صاحب الفضل عليه في خلود اسمه على الأقل كلما ذُكر أستاذ الاجيال، فقد أدلى هذا المرافق لبعض الصحفيين بحديث سخيف إثر سوء تفاهم مادي بينه وبين طه حسين زعم فيه مزاعم لا يمكن أن يصدقها عاقل ولا تنطلي على أحد، فقد زعم أن طه حسين قد نسب الى نفسه بعض الكتب التي كتبها هو، وذكر منها «دعاء الكروان»، وهو عمل إبداعي وخلق أدبي وقع تحويله الى شريط سينمائي لعبت فيه الفنانة القديرة فاتن حمامة دور البطولة ممثلة شخصية (هنادي). نحن نعرف أن طه حسين قد قال عن نفسه ما قاله أبو العلاء المعري عن نفسه: «أنا رجل مستطيع بغيري» أي أنه يستطيع أن يقرأ ويكتب لكن بالاستعانة بغيره من الناس الذين يتخذهم وسيلة للبحث والتنقيب تحت إشرافه وتوجيهه، ومعلوم أن الكفيف يكلف كاتبه أحيانا بالبحث عن موضوع أو قصيدة أو بيت شعر أو كاتب أو شاعر في الكتب التي يوجهه إليها ويطلب منه نقلها في مواضعها من كتبه أو مقالاته إذا لم يكن يحفظها، لأنه كثيرا ما يذكر المعلومات من ذاكرته دون أن ينقلها حرفيا من مصادرها ومراجعها كما يفعل الكثير من الكتّاب المبصرين، وهذا كله معروف ولا يخفى على أحد من الذين يعرفون أن طه حسين غير مبصر ويحتاج الى من يبحث له عن هذه الاشياء التي يبحث عنها المبصرون بأنفسهم، ومن هنا صدّق هذا المرافق أنه صار مشاركا في تأليف كتب طه حسين لهذا السبب، فادعى أن عميد الأدب نسب الى نفسه بعض مؤلفاته، والحجة القاطعة الدالة على كذبه وسخافة زعمه أننا لم نسمع بأنه ألف، أثناء حياته الطويلة مع طه حسين أي أثر أدبي جيد أو رديء. ونذكّر بأن شقيق هذا المرافق قد كان كاتبا خاصا لطه حسين، وأنه استفاد منه استفادة كبيرة مكنته من الحصول على شهادة الدكتوراه، وهذا ما جعله يترك المكان لشقيقه فريد شحاتة المذكور، وعندما سئل طه حسين عنه إثر هذه القطيعة قال إنه ضعيف التكوين لذلك لم يستفد من هذه الفرصة التي أتيحت له، وذكر أنه قرأ عليه، في بداية اتصاله به وبداية عمله مرافقا وكاتبا، البيت المشهور للمهلهل: (قرّبا مربط النعامة مني) هكذا: «قربطْ مربط...» فأصبح أصحاب طه حسين يسألونه كلما قابلوه: ماذا فعل معك الاستاذ (قرْبطْ)؟ ثم يضحكون. لو كانت للاستاذ (قرْبطْ) قدرة على الكتابة والتأليف والابداع لقرأنا له كتبا أثناء مباشرته لعمله معه وبعد ذلك ولكن ذلك لم يحدث، وما كان لرجل في حجم طه حسين أن يطمع في عمل يقوم به شخص ليست له مواهب في ميدان التأليف والخلق الادبي، وقد كان خيرا له أن يكتب عن طه حسين كتابا يذكر فيه أشياء لا يعرفها أحد عنه كما يعرفها هو لأنه باشره طيلة عقود، يُدر عليه أضعاف ما كان يطمع فيه من وراء هذا الخصام المفضي الى سخط الساخطين على ما قام به من حماقة وجحود وخصام وعقوق ونُكران للجميل جرّ له الذكر السيئ مدى الزمان.