يحلو للولايات المتحدةالأمريكية أن تحشر أنفها في شؤون باقي خلق اللّه خارج محيطها.. إذ نجدها تجدّ وتجتهد في اعطاء الدروس وإلقاء المواعظ المتعلقة بقيم حقوق الإنسان بمختلف أبعادها ومضامينها ومكوّناتها.. حتى أنه يخيّل لمن يتابع هذه الدروس والمواعظ ان الولاياتالمتحدةالأمريكية هي جنّة للحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. وأنها واحة أمن ورخاء وسلام ينعم فيها الأمريكيون على اختلاف ألوانهم وأصولهم وألوان بشرتهم وطبقاتهم برغد العيش وبكل أسباب العيش الكريم.. لكن الخيال شيء والواقع شيء آخر.. والمتصوّر شيء والحقيقة شيء آخر مختلف تماما.. والواقع والحقيقة يؤكدان بالأرقام والمعطيات الموضوعية (الأمريكية المصدر) ان لأمريكا غسيلها القذر والقذر جدا.. وأن أمام البيت الأمريكي أكواما من النفايات.. وانه أحرى بأمريكا أن تكنس أمام بيتها قبل الالتفات إلى بيوت الآخرين.. وأجدى بالإدارة الأمريكية لو ركّزت أولا على تأمين مقومات حقوق الانسان في شموليتها لكل مواطن أمريكي ومواطنة أمريكية قبل التباكي على حظوظ هذا المواطن أو ذاك في هذا البلد أو ذاك. وبلغة الأرقام فإن آخر التقارير الأمريكية تقول ان نسبة الفقر ارتفعت فوق الأراضي الأمريكية لتبلغ 14.3٪ وهو ما يساوي حوالي 44 مليونا أمريكيا (بالتمام والكمال) وهو أيضا ما يعني ان مواطنا أمريكيا على كل سبعة مواطنين يقبع تحت عتبة الفقر وهي أعلى نسبة منذ سنة 1994. فأية مصداقية تبقى للإدارة الأمريكية حين تقفز على هذه الحقائق وتنبري تلقي الخطب والمواعظ لباقي شعوب العالم؟ وكيف تهرول أمريكا للتدخل في الشؤون الداخلية لباقي خلق اللّه وهي تقفز على واقعها المتردي وعلى غسيلها القذر وتدير ظهرها لمعاناة 44 مليون مواطن أمريكي؟ أليس الأمريكيون «الغلابة» والمسحوقون أولى بعناية إدارتهم وباهتمام جوق المنظمات والجمعيات التي تملك من الصفاقة ما يجعلها تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل مسألة تافهة في هذا البلد أو ذاك من العالم الثالث وتلوذ بصمت غريب ومريب إزاء معطيات وحقائق بهذا السواد.. وهي في الآخر تعبيرات عن انتهاكات صارخة لحقوق المواطنين الأمريكيين في السكن والعلاج وقضاء شؤونهم والخروج من دائرة الفقر والحرمان والخصاصة؟ انها أسئلة جوهرية تطرح نفسها على الادارة الأمريكية أولا وتدعوها إلى أن تكنس أمام بيتها والا ترمي الآخرين بالحجارة طالما ان بيتها من زجاج.. وتطرح نفسها أيضا على «المنظمات إياها» التي احترفت الصيد حتى تحت الأرض وتغافلت عن صيد ثمين متوفر بغزارة فوق الأراضي الأمريكية صيد تدعمه أرقام وحقائق أمريكية لحما ودما.