لا تكاد الفتنة الطائفية التي تتربص بلبنان تهدأ حتى تجد من ينفخ في رمادها ويحرك خيوطها لتطل برأسها القبيح من جديد.. فقد انخرط فرقاء الأزمة في لبنان في تراشق خطير بالكلمات وبالاتهامات.. وشهدت الأجواء السياسية احتقانا أتى تقريبا على كل بوادر الانفراج التي شهدتها الأشهر الماضية.. فلمصلحة من تجري تغذية هذا التصعيد؟ ومن المستفيد من شيطان الفتنة؟ يدرك كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والمذهبية والسياسية.. وتدرك كل الطوائف اللبنانية أن لبنان الوطن هو بيت كل اللبنانيين وبيت كل الطوائف وأن الجميع هم شركاء في الوطن.. متساوون في الحقوق والواجبات.. وأن الاختلاف في الرؤى والمواقف هو إثراء وإضافة وتحصين للبناء المشترك.. وأنه لا يجب بحال أن يكون مبرّرا لافساد الودّ بين لبناني وآخر.. فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة ولا أحد يجب أن يزايد على الآخر فيحاول ممارسة الاقصاء في حق الآخرين. من هذه المنطلقات تصبح قواعد اللعبة واضحة وشفّافة.. ويصبح الاختلاف عنصر تحصين وتجميع لا عنصر تفريق.. وعلى هذه الأسس يجب أن يعمل الأشقاء في لبنان على اطفاء نيران الفتنة نهائيا.. وقطع الطريق عليها دون رجعة لأنهم جرّبوا الانسياق وراء رياحها العاصفة واكتووا سنوات طويلة بنيرانها الحارقة... ولقد أدركوا بعد سنوات الدمار والجمر أن المستفيد الوحيد من الفتنة هو عدوهم الجاثم حتى الآن على أجزاء من أرضهم.. وأن هذا العدو ومن يقف في صفه يخطط ليل نهار ليضرب نصف اللبنانيين بنصفهم الآخر تنفيذا لأجندة معلنة يقع في مقدمتها اشعال فتنة سنية شيعية توفر أجواء لاضعاف الجميع واستهداف سلاح المقاومة.. وكذلك اسقاط نظرية تعايش الطوائف والمذاهب التي أثبتها لبنان لتكون حجّة تدعم نظرية «يهودية دولة اسرائيل» التي يرفعها نتنياهو عنوانا للتفاوض ويريد فرضها كشرط أساسي وأولي لأية مفاوضات مع الفلسطينيين. من هنا، فإن لغة العقل والحكمة هي التي يجب أن تتكلم.. ولغة الشحن وتأجيج العواطف هي التي يجب أن تخرس حتى يتوفر حوار ايجابي يمكن اللبنانيين من حل كل مشاكلهم بالحوار.. وبالحوار فقط.