لقد أصبحت تونس أثناء الثورة الجزائرية قاعدتها اللوجستية الأساسية وقد ساهم استقلالها في حرية تسريب السلاح وتنقّل المجموعات المسلحة (المجاهدين) والأشخاص والمعدات رغم الصعوبات والخلافات أو التضييقات التي تعرضت لها وحدات جيش التحرير الوطني أحيانا بتونس. ولئن مثّلت تونس معبرا أساسيا لتموين جيش جبهة التحرير الجزائري بالسلاح بنسبة حوالي 80٪ من مجموع الأسلحة الواردة دون إذن السلط ورغما عنها قبل مارس 1956 فإنه بعد الاستقلال سوف تأخذ الدولة التونسية علىعاتقها مسؤولية تنظيم وتسهيل تأمين السلاح للثورة الجزائرية وضبط ذلك في اتفاقيات سرية مع القيادة الجزائرية. وقد كلّف بورقيبة لمتابعة ملف التنسيق مع جبهة التحرير قياديين في الحزب الحر الدستوري الجديد منهم أحمد تليلي الزعيم النقابي والطيب المهيري وزير الداخلية وعبد الله فرحات عضو المكتب (الديوان) السياسي للحزب الحاكم. ويتم تأمين تسريب السلاح القادم من طرابلس ومصر عبر تونس لوحدات جيش التحرير داخل تونس أو في الجزائر وتحت أنظار القوات الفرنسية التي لا زالت مرابطة حتى سنة 1958 في كامل التراب التونسي وفي قاعدة بنزرت حتى سنة 1963، فكل تقارير الجيش الفرنسي تشير إلى تواطؤ السلط الرسمية التونسية مع جبهة التحرير الوطني. فالجامعات الدستورية والولاة والمعتمدون (المندوبون) بالمناطق الحدودية كانوا ضالعين كلهم في هذا التسريب عبر شاحنات مدنية أو إدارية أو شاحنات الحرس والجيش الوطنيين. ويذهب فتحي الذيب إلى القول بأن النصف الثاني من شهر مارس 1956 شهد نشاطا غير عادي ومتزايد في تهريب السلاح عبر الحدود الليبية التونسية لتزويد جيش التحرير الوطني... بكميات وفيرة من السلاح». ومنذ منتصف 1956 وعلى إثر إحراز تونس على استقلالها وجلاء القوات الفرنسية من مناطق الحدود التونسية أصبحت الطريق سالكة ومفتوحة لإيصال الأسلحة من ليبيا إلى الحدود التونسيةالجزائرية على متن الشاحنات. مصدر الأسلحة ولمّا كان السلاح أحد الأركان الأساسية لنجاح الثورات التحريرية والمعارك الوطنية ولم تكن لدى رجال المقاومة الجزائرية منه إلا النزر القليل ومن النوع العتيق فقد وقع مدّهم بعشرات الالاف من القطع الحربية المختلفة ومئات الآلاف من المفرقعات وعشرات الملايين من الذخيرة، وعندما اشتد ساعد الثورة تجهّز جيش التحرير الوطني بالأسلحة العصرية والمتطورة كالمدفعية وأجهزة اللاسلكي والمضادات الجوية ويتأتى هذا السلاح من بقايا أسلحة المقاومة التونسية أو الكميات المصادرة من العناصر اليوسفية أو القادمة من الشرق عبر ليبيا، من مصر والمعسكر الاشتراكي، ومن وراء هذا العمل أرادت السلطة التونسية القيام بواجبها إزاء الثورة الجزائرية والحيلولة دون أن ينتقل السلاح إلى أيدي معارضيها من اليوسفيين. وإثر تسلّم مراكزا لجندرمة الفرنسية من طرف الحرس الوطني التونسي وانسحاب الجيش الفرنسي من مختلف مناطق البلاد وتجمعه في بنزرت في أكتوبر 1958 أصبحت قوافل الأسلحة تجوب كامل الطرقات في حرية في اتجاه الحدود الجزائرية. وكانت الأسلحة الواردة خفية من الشرق عن طريق بنقردان وبصفة عامة عبر الحدود التونسية الليبية خلال سنوات الثورة الجزائرية تنقل بواسطة سيارات الحرس والجيش الوطنيين وتجمّع في المستودعات التي أحدثت على غرار مراكز التدريب والمعسكرات وذلك بالمناطق التالية: مقرين ومكثر وجندوبة والكاف وتاجروين وقلعة سنان والقصرين وفوسانة وفريانة وتالة وتلابت وحيدرة وقفصة والرديف وأم العرائس والمتلوي ونفطة وتوزر والقيروان ومدنين... ومن تلك المراكز كان يقع تسريب الأسلحة إلى داخل التراب الجزائري. 1500 قطعة شهريا وإضافة إلى المعابر البرية الحدودية التونسية الليبية من منطقة بنقردان جناين أو طريق الكثبان الرملية بالجنوب الغربي الآتية من غدامس تكثف التسريب بعد مارس 1956 عبر الحدود البحرية للبلاد التونسية وتأتي هذه الأسلحة محملة في زوارق صيادين تونسيين أو بواخر صديقة (سوفياتية يوغسلافية بولندية ألمانية إيطالية) ويتم تفريغها ليلا وبالنقاط التالية بالخصوص: قليبية وأكودة وسوسة والمنستير وطبلبة والمهدية وطبرقة وجرجيس وجربة. كم عدد الأسلحة؟ يصعُبُ حصرها: ففي مذكرة لوزارة الخارجية الفرنسية بتاريخ 06091957 تشير إلى أنه ما بين الفاتح من جانفي 1957 ونهاية جويلية من نفس السنة تم تسريب أكثر من 9000 قطعة سلاح من تونس ويعترف الجنرال صلان Salan في شهر جويلية 1957 بأن 1500 قطعة سلاح تدخل كل شهر بصفة سرية يتأتى ثلاث أرباعها (3/4) من تونس. ولم يكن النظام التونسي يخفي ذلك فقد صرّح بورقيبة في هذا الصدد أن «الأسلحة ترد إلى الجزائريين من الصين أو من روسيا وأننا لا نستطيع أمام ضمائرنا أن نمنع مرورها من ترابنا فإنّ منعا كهذا يجعلنا ننحاز لا قدر الله للاستعمار الفرنسي خصوصا وقد أصبحنا نعتقد أن فرنسا عاجزة عن إنهاء الحرب الجزائرية وعن فضّ المشكل الجزائري». عن المجلة التونسية للتاريخ العسكري