بعد حوالي 30 سنة من الكتابة والكآبة والقلق أصدر الشاعر نجم الدين الحمدوني ديوانه الشعري الأول «أوجاع كثيرة... لجرح واحد» في طبعة أنيقة عن دار دنيا للنشر بمدينة سيدي بوزيد، هذه المدينة التي عرف بها نجم الدين الحمدوني ممرضا وشاعرا مجيدا يعرفه الكثيرون ببساطته على وجهه تتأرجح الطفولة مرحة فرحة ولكن بداخله جرح عميق جدا عمق مواجع هذا الوطن الكبير من مشرقه الى مغربه. ورغم تقدم تجربته الشعرية ونضجها منذ الثمانينيات تقريبا بقي نجم الدين محجما عن نشر مجموعة شعرية بكر وكأني به كان ينتظر أن تصير الحبيبة زوجة والأبناء قصائد متحركة أمامه حتى تتفجر فجأة أوجاعه الكثيرة لتشكل مسار الجرح الواحد أو ربما هو اهماله للدنيا وهروبه الى الحانات والتلال البعيدة منفردا بحزنه المختلف: «ستموت... في القتال! مخلصا كنت ومازلت فتى أهمل الدنيا وهام في التلال يجمع الأوهام من زهر قبيح ويشيد العمر من صفو الرمال..» نجم الدين الحمدوني نشط بشدة بداية التسعينيات ضمن المهرجانات الأدبية وعلى الصفحات الأدبية والثقافية كما كانت له مساهمات متميزة بمجلة مرآة الوسط التي يديرها الأخ محمود الحرشاني بسيدي بوزيد كما كانت لشاعرنا المحتفى به تجارب صحفية متميزة وله عملان مسرحيان «ترينو مكسر» و«خراريف عرب»، نشر أولى قصائده بالصحافة الوطنية سنة 1981 وانتظر طويلا حتى يهدينا باقة من أوجاعه اللذيذة سنة 2010. طوال هذه المدة التي تراوحت بين الظهور والاختفاء كان نجم الدين الحمدوني يمارس طقوس الاختفاء داخل بياض الورق تتقاذفه الجراحات من طقس الى آخر: «أنا لست وحدي وخلفي الورق وعند مسارف بوحي حروف تدق أنا لست وحدي فعندي لسان يلف العنق وعندي عناد وطقس... من التعب... والقلق...!!! قصائد نجم الدين الواحدة والعشرون بهذه المجموعة الشعرية تراوحت في شكلها بين العمودي والحر ولكن ظلت في مضمونها تتميز ببكائية غير مزعجة وانغماس ظاهر في الهم الوطني وكأني بهذا الشاعر حاملا داخله هموما وجراحات هذه الأمة المشروخة فلم ينس العراق وأطفال العراق الذي كان الجرح الأبرز على مدار صفحات هذه المجموعة الشعرية بدءا بنص مرثية رجل لم يمت المهداة الى شهيد الأمة صدام حسين مرورا بنص «رسالة عشق للعراق» التي يقول فيها ما يلي: لماذا نحبك جدا ولا نملك غير حماك ملاذا؟ لماذا ستمطر هذي البلاد بعشقك غيثا ونحن و ددناه حتى رذاذا؟؟! ولم ينس نجم الدين عروسه فلسطين في خضم هذا الوجع العربي المفتوح اذ لا يزال محمد الدرة حاضرا في ذاكرة الشاعر بوعد طفل من حجر التي يقول في خاتمتها: وها أنني لم أنم الى أن أراك فلسطين فوق العداء تقامين فعلا وليس بحبر القلم... ولكن رغم هذه الفواجع والمواجع التي تؤرق الشاعر دائما بقيت تونس وحدها منفذا للفرح وفاتحة للحب والكلام المباح التي كتب لها أولى قصائد الديوان قائلا: ولي تونس المشتهاة ولي عطرها والهيام ولي ضرعها والشياه ولي كأسها والمدام ولنا عودة للحديث عن تفاصيل أخرى جميلة عن الأبناء والأصدقاء والمدن وأشياء أخرى تضمنتها قصائد نجم الدين الحمدوني...