هل تحول زمان أول؟ وفق المثل الشعبي المعروف. وزمان أول المقصود هنا هو زمن لبنان، وبالتالي ما يحيط به من ازمان المنطقة كلها، التي ستتأثر دون شك بأية تغييرات قد تشهدها المملكة العربية السعودية. زمن أول، حتى 2005 كان يجلس طاولة الوضع اللبناني على ثلاثة قوائم: السياسة لسوريا، الاقتصاد للحريري، والمقاومة لحزب الله وحلفائه، وكل ذلك برعاية ومباركة سعودية. طارت واحدة من قوائم الطاولة بانفجار مدو، فتبعتها القائمة الثانية، وظلت الثالثة واقفة وحدها. صمدت أمام الضربة التي أرادت كسرها عام 2006. ولكنها لا تستطيع ابقاء الطاولة واقفة ومتوازنة. المعادلة تغيرت كثيرا، دخلت الدائرة قوائم أخرى تختلف اطوال قاماتها، وظلت الطاولة ترقص في الهواء. سوريا موجودة، وغير موجودة، كشمس شباط، احتجبت ثم ظهرت، ولكنها لم تعد تستطيع احتكار السياسة، ولا ضبطها الا بمعادلة السين سين. المقاومة ما تزال المقاومة، لكن تلزيمها المشروع لم يعد أمرا متفقا عليه، بل أصبح لب النزاع. وباتت مضطرة الى تدعيم الساق المهددة، بتنامي الالتزام بايران خارجيا، بدعامتي نبيه بري وميشال عون، داخليا. وهنا تبرز القائمة الجديدة الاطول : التيار الوطني الحر، بزعيمه الذي تحول من منفي على يد سوريا الى فرنسا التي تعامله معاملة لاجىء مقهور على شاطىء مرسيليا، في أقصى الجنوب، - تحول الى زعيم تستقبله سوريا في عاصمتها وفي شمالها استقبال الرؤساء الكبار والزعماء الاصدقاء، وأخيرا تستقبله باريس بذات الطريقة. ذاك أن الرجل عرف ان يفرض نفسه رقما صعبا لا مجال للتعامل معه الا كذلك. فرض يعود الى مدى شعبية الرجل التي قد لا يمتلكها زعيم غيره في لبنان والسبب يكمن في امرين : الأول أن ميشال عون ادرك السر الذي غفل عنه جميع القادة المسيحيين المعاصرين في لبنان، وهو ان قوتك المسيحية تتصاعد عندما تفتح المسيحيين على الاطراف الوطنية الاخرى، وتقيم التحالفات الصادقة، كما انها تتصاعد عندما تتذكر ان هناك امتدادا مسيحيا مشرقيا عربيا يجب التوجه اليه ومد الجسور معه. وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي في استقباله عون بقوله: أهلا بممثل مسيحيي الشرق. أما الأمر الثاني فهو المبدأ الذي اعتمدته السياسة العونية منذ ما قبل النفي: التغيير والاصلاح. وهنا يكمن لب المشكلة الحالية : فالعودة الى التقاسم القديم قد تناسب الحريري والمقاومة، لكن عون يرفض التلزيم دون الاصلاح ودون متابعة فتح ملفات الفساد. اما السياسة التي كانت في يد سوريا، وتدار اليوم بيدين سورية وسعودية، فانها جدار يقفز عليه الكثيرون في الداخل والخارج، وفي الطليعة الأمريكيون طبعا.