يعد مهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان من أعرق التظاهرات الثقافية على المستويين الوطني والجهوي. ولد على يد ثلة من المبدعين بينهم الشاعران المنصف الوهايبي ومحمد الغزي وغيرهم ثم تداولت على رئاسته عدة أسماء لامعة ثقافيا تراوح أداؤها بين عدة مستويات لتصل الى الدرك الأسفل قبل ان تعود الى السطح من جديد بفضل تدخل السلط الجهوية ومندوبية الثقافة لانتشاله. لكن المستوى سرعان ما استقر في المنحدر بسبب غياب شمولية الرؤية الثقافية وارتجالية البرمجة وسوء اختيار الضيوف وعدم الانضباط في المواعيد اضافة الى التناحر على الإدارة. وكنتيجة لذلك يؤكد المتابعون ان المهرجان الذي ولد كبيرا، أصيب بالتهرم وفقد بريقه وإشعاعه الدولي وسقط في المناكفات والصراعات على عرش الإدارة الخاوية من التاج «الملكي». وأصبح مهرجان مثل «ديك» الأمين النهدي منكوش الريش، والجميع «يريشه» و»ينهشه»...حتى توقف عن «الصياح». وكان من المنتظر ان تشرع هيئة المهرجان في الإعداد للدورة ال18 (لسنة 2011) على أمل تلميع صورة المهرجان وإعادة الاعتبار إلى المدينة الحاضنة لنجوم الفن والثقافة من العالم العربي. لكن البرمجة لم تحدث. والهيئة لم تجتمع ولم تتفق. بل انه لن يكون بالإمكان الحديث عن هيئة للمهرجان وبالتالي قريبا لا حديث بالمحصلة عن ربيع الفنون الدولي. فقد أعلن الفنان التشكيلي نجيب عبان رئيس المهرجان عن تخليه عن ادارة الجمعية على أساس ما تم الاتفاق بشأنه فخلال الدورة السابقة (الدورة ال17 لسنة 2010) وهو التداول على رئاسة المهرجان بشكل سنوي بين أعضاء الهيئة. لكن يبدو ان ذلك لن يحدث البتة او لن يحدث الا وفق شروط. ويوعز تنحي الفنان عبان عن رئاسة المهرجان، الى المستوى الضعيف للدورة المنصرمة على مستوى الضيوف والبرمجة والحضور الجماهيري والتنظيم رغم وقع حفل الافتتاح الذي أشرف عليه السيد وزير الثقافة. ولعل اهم سبب مباشر وفق تأكيد السيد نجيب عبان هو غياب الدعم عن المهرجان وتخلي عديد الاطراف التي وعدت بالدعم وبشطب ديون المهرجان المتخلدة بذمته منذ دورات سابقة حدث فيها تلاعب بالمداخيل وإنفاق الميزانية على المآرب الشخصية...وصلت الى السياحة في لبنان على حساب المهرجان! وأمام ما يتخبط فيه ربيع الفنون، فانه من الصعب ان يتواصل «الربيع» سواء بمستواه الدولي او المحلي. فبعد ان كان المتهافتون على رئاسة المهرجان يتنافسون بسبل شتى لبلوغ «تاج الإدارة»، أصبح التاج بلا طموح ولم يعد للمهرجان من يطمع فيه ولا ما يرجى نفعه وهو ما ثبّط العزائم وأوهن الجهد والإبداع. إسعاف «استعجالي» أسابيع قليلة تفصل المهرجان عن ربيعه. فهل سيترك وحيدا يتيما؟ فقد حان موعد الانطلاق في البرمجة ولا بد لمندوبية الثقافة والسلط الجهوية ولجان الثقافة والجمعيات والقطاع الخاص والمبدعين... أن يتدخلوا ليحفظوا هيبة المهرجان. ولعله آن الأوان للمؤسسين ان يستعيدوا الإدارة وينقذوا المهرجان. ان ما وصل اليه مهرجان ربيع الفنون من سوء الحال، ليس محض صدفة بل هو وليد عوامل اولها التناحر على المناصب وثانيها تخلي الجهات المعنية عن الدعم وثالثها نضوب الهيئات من الكفاءات على حساب الولاءات وانتهاج مبدإ الإقصاء والعرقلة وترصد الزلات في المنعطف كما يفعل بعض «المسؤولين» ضد كل نجاح وإبداع او «تحليق خارج السرب». قريبا سيأتي الخطاف بحثا عن الربيع في عاصمة الثقافة الإسلامية. فأي لون لربيع الفنون الدولي هذا العام وهو يتحدى الزمن والصعوبات وحيدا وهل من «مختار» يعيد إلى المهرجان اعتباره وجذوة إشعاعه، وهل ستظل الجهات المعنية مكتوفة الأيدي شاهدة على احتضار صرح ثقافي عريق...أم ستدفع الى الوراء كعادتها؟ وسيسأل جمهور المهرجان ويحاسب. لماذا تركتم «الربيع» وحيدا؟