عريف تونسي يسقط من فوق حصان ويدخل في غيبوبة متواصلة تونس «الشروق»: في بهو منزلها الصغير الكائن بهنشير «رأس العين» من معتمدية ماطر التابعة لولاية بنزرت التقيناها منكبة على وعاء كبير تغسل أدباش أبنائها تارة وتحتضن أصغرهم (3 سنوات) طورا آخر بعد فراقها لزوجها «رضا» الذي دخل في غيبوبة متواصلة تقارب الشهرين على اثر ستوطه من على ظهر حصان لا أثناء آدائه لواجبه العسكري بحكم عمله بخطة «عريف» وانما أثناء تمثيله لأحد أدوار التمثيل التي فرضت عليه بفيلم ايطالي بولاية توزر. حادثة أليمة طرحت أسئلة عديدة في منطقته وأسالت دموعا غزيرة وسط عائلته التي فقدت سندها وعائلها الوحيد... حادثة حرمت رضا عبد القادر الجميعي مشاركته لتونس فرحتها بسقوط النظام البائد رغم تصاله في خدمتها لفترة تناهز 22 سنة بوزارة الدفاع. مستقبل مجهول وضبابي... أمل حياة ضعيف لا يبشر برؤية واضحة لغد رضا وعائلته التي تعاني الفقر والخصاصة... قبل الحادية اقتربنا من زوجته «نجاة» التي استقبلتنا بابتسامة عريضة رغم الألم الذي تعانيه... طلبنا منها أن تروي لنا ما حدث يوم التحاقه بمهمة المشاركة في «الفيلم» فاستهلت حديثها بطلب النجاة لزوجها ثم اكتفت في البداية ببعض الجمل القصيرة وبعبارات مقتضبة وبحياء حسبنا أنفسنا ودعناه الى الأبد لنكتشف فيما بعد أنها تخجل من الحديث عن زوجها على مسمع والده المسن (العقد الثامن) ووالدته الخرساء والتي اقتصر دورها طيلة فترة جلوسها الى جانبنا على ذرف الدموع دون أن تنطق بكلمة ولعل الصمت لمثلها أبلغ من الكلام بعد فراقها لحاسة السمع أولا ولفلذة كبدها ثانية... بصوت خافت قالت السيدة نجاة أن زوجها موظف بوزارة الدفاع منذ سنة 1989 وكان يحب عمله كثيرا وكان يقوم بفترات تربص في كل مرة وآخرها سفره الى «الكونغو» أين دامت فترة تربصه لمدة 6 أشهر وعند عودته الى تونس طلب اجازة لمدة 15 يوما... آخر يوم من هذه الاجازة اتصل به أحد زملائه في العمل وأعلمه أنه تم تعيينه بمعية بعض من العاملين معه للمشاركة في التمثيل بفيلم لمخرج ايطالي بالجنوب التونسي، وبعد قليل اتصل به رئيسه في العمل وأصر عليه للحضور. فالتحق بهم رضا عن مضض لعدم رغبته في الخروج من المنزل يومها وكأنه يعلم ما ينتظره حيث قال لها: «ماشي فوق من طاقتي». تواصل نجاة حديثها وقد اغرورقت عيناها بالدموع قائلة ان زوجها ظل في الصحراء (توزر) لمدة 12 يوما وكان على اتصال دائم بها ليطمئن على أبنائه لمدة يومين فانتابها القلق والخوف خاصة وأن هاتفه كان خارج اطار الخدمة، وفي اليوم الثالث اتصل بها أحد زملاء «رضا» وطلب منها ان تمرر المكالمة لشقيق زوجها ويدعى «الشاذلي» ليعلمه بما حدث. تعجز نجاة عن مواصلة الحديث فتحضن ابنتها «نور» وتتظاهر بمداعبتها لتخفي دموعها. سقوط في غيبوبة يقول «الشاذلي شقيقه: «رضا» سقط من فوق ظهر الحصان أثناء آدائه للدور فأصيب بارتجاج في الدماغ وكسور على مستوى الظهر وكسر في أسفل الساق وهو في غيبوبة منذ يوم 9 ديسمبر الي غاية اللحظة ولا يعلم حقيقة وضعه الصحي مضيفا «عبارة واحدة تتردد على مسامعنا من كل من حاولنا سؤاله عن حالة رضا وهي «ربي يفرج عليه» ان شاء الله لاباس والحال أننا لم نلاحظ أي تحسن ولو بسيط، فحالته مستقرة ان لم نقل سيئة للغاية». أما والد رضا وهو شيخ هرم غزا الشيب رأسه مثلما غذت التجاعيد وجهه فقد أجابنا بصوت مرتعش قائلا انه لا يطلب شيئا سوى محاولة انقاذ ابنه في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان مضيفا: «لا احتمل فراقه فهو سندي الوحيد في هذه الدنيا وكنوز الدنيا لا تعوضني عنه». الممثل «العريف» أحد المقربين من العائلة تحدث بنبرة حادة عن كيفية تكليف عون بوزارة الدفاع لخوض تجربة التمثيل مؤكدا أن ايمانهم بأن ما أصاب رضا هو قضاء وقدر ولكن ما علاقة عون بوزارة الدفاع بالتمثيل ومن يتحمل مسؤولية ما أصابه وما قد يصيبه وعائلته خاصة وأنه لا أحد من المسؤولين كلف نفسه عناء زيارة عائلة رضا ومساعدتها ولو معنويا كما تسائل محدثنا عن موقف المخرج الايطالي من الحادثة ومسؤوليته تجاه رضا. مناشدة أسئلة عديدة تخامر عائلة «رضا» وجيرانه هؤلاء الذين خيروا الصمت في عهد بن علي ولم يحاولوا النبش في أسباب ومسببات الحادثة ومعرفة المسؤولين عنها خوفا مما قد يسلط عليهم من عقوبات وهم اليوم يناشدون السيد وزير الدفاع للتدخل السريع وايجاد علاج شاف لرضا الذي بذل نصف عمره خدمة للوطن غادرنا القرية الصغيرة وتحولنا الى قسم الانعاش بالمستشفى العسكري الحبيب ثامر لزيارة رضا فوجدناه جسدا ضعيفا طريح فراشه لا حول ولا قوة له، حاولنا الاستفسار عن صحته فأجابنا بعض الممرضين بالقسم بأن وضعه مستقر قائلين: «الله يلطف بيه».