شيئا فشيئا نجحت الولاياتالمتحدة في تحويل الأممالمتحدة بهيئاتها ومؤسساتها وفي طليعتها مجلس الأمن «الموقر» الى إدارة تابعة للخارجية الأمريكية تصدر من القرارات ما لذّ وطاب للبيت الابيض وما ينزل على مقاس أمريكا ورغباتها ويكون بردا وسلاما على مصالحها... سوف لن نتحدث عن النزاع الفلسطيني الاسرائيلي وعن عشرات القرارات الملزمة التي تنام في الرفوف... ولا عن العراق وكيف أصيب مجلس الامن ب»اسهال» لم يتوقف الا قبيل غزو العراق واحتلاله.. وسوف لن نتحدث عن السودان وسيف العقوبات الذي بات مغروسا في رقبته بما يهدد سيادته ووحدته... بل سوف نتحدث عن آخر قرار يهم لبنان... نعم لبنان الذي اتجهت له «العناية الأمريكية» لتقصفه بقرار من مجلس الامن يعارض قرار مجلس النواب اللبناني بتمديد فترة الرئيس لحود بثلاث سنوات اضافية ويندد بالتواجد السوري في لبنان... هذا القرار يضعنا أمام مفارقة عجيبة وأمام سابقة خطيرة. أما المفارقة فتتمثل في تدخل مجلس الامن «الموقر» وبقرار أمريكي معلن وصريح في شأن يفترض أنه لبناني داخلي ويرجع الفصل فيه الى الشعب اللبناني والى مؤسساته الدستورية وفي طليعتها مجلس النواب اللبناني.. وهما المخوّلان أولا وأخيرا بالبت (رفضا أو قبولا) بالتمديد في فترة حكم الرئيس لحود وفي بقاء القوات السورية في لبنان.. ولحد علمنا فإن لا الشعب اللبناني ولا مجلس النواب اللبناني اشتكيا الى واشنطن او طلبا تدخلها في هذه المسألة.. كما أنهما لم يطلبا تدخل مجلس الأمن «الموقر» الذي أبدى «حماسة» عجيبة في خصوص مسألة لبنانية داخلية ولم تعرض على جنابه أصلا في حين يسكت على شكوى لبنان المتكررة من تواصل احتلال مزارع شبعا وهي أرض لبنانية من قبل قوات الاحتلال الصهيوني. واذا كان مجلس الأمن «الموقر» يرفض من حيث المبدإ تواجد قوات «أجنبية» على أرض دولة أخرى، فلماذا يصوّب سهامه نحو القوات السورية المتواجدة في لبنان والتي هي قوات شقيقة وتتواجد بقرار لبناني وبوفاق عربي في حين يسكت على احتلال مزارع «شبعا» اللبنانية والجولان السوري من قبل اسرائيل ولا يحرّك ساكنا رغم الدعوات والشكاوى المتكررة التي تصله... واذا كان المجلس «الموقر» حريصا على سيادة الدول واستقلالها أرضا وقرارا فلماذا يسكت على الاحتلال الأمريكي للعراق والحال أنه يعرض الشعب العراقي لحرب إبادة جماعية معلنة وسلب الشعب العراقي سيادته واستقلاله ويحرمه من خيراته وثرواته؟ ثم وبأي منطق تعد القوات السورية في لبنان (وهي ما هي بالنسبة للبنان ودورها محمود في صون أمن لبنان واستقراره) قوات «محتلة» وجب انسحابها رغم أن الشعب اللبناني لم يطلب ذلك في حين تعد القوات الصهيونية في الأراضي اللبنانية والسورية أمرا عاديا والقوات الأمريكية في العراق «قوات حليفة». هذا بخصوص المفارقة، أما بخصوص السابقة فتتمثل في تحول مجلس الأمن الى أداة لاستباحة سيادة الدول ومصادرة قرارها الوطني... لأن أي دولة بتمرير هذا القرار السابقة سوف لن تنجو مستقبلا من قرار أممي يشرّع التدخل في شؤونها الداخلية ومصادرة سيادتها اذا لم تتوافق سياساتها مع المصالح الصهيونية ومع المصالح الأمريكية... وهو توجه يهدد بتعميم قانون الغاب وباستبدال الشرعية الدولية ب»الشرعية الأمريكية» بما يهدد السلم والامن الدوليين ويمهد لدخول المجتمع الدولي مرحلة جديدة بعد ما اصطلح على تسميتها ب»مرحلة التدخل الانساني» وهي مرحلة التدخل ل»إعادة التشكيل» بما يتوافق مع المصالح الأمريكية ومن ورائها المصالح الاسرائيلية... وهي مرحلة قد تشمل المنطقة العربية برمتها تمهيدا لقيام ما سمي «الشرق الاوسط الكبير» ولتذويب العرب وسط هذا «المرجل» الكبير... ولقد أحسن لبنان صنعا عندما طالب مجلس الجامعة الذي سينعقد يوم 14 سبتمبر الجاري بالقاهرة بإدراج القرار الأممي الأخير على بساط البحث ومحاولة اتخاذ قرار عربي يسند لبنان في هذه المحنة الجديدة.. ذلك أن تمرير هذه السابقة على لبنان سيكون بمثابة تأشيرة عبور هذه السابقة الى باقي أركان البيت العربي. والمنطق السليم والمصالح العربية تقتضي تحركا عربيا جادا وصارما لوأد هذه السابقة في المهد قبل أن تتحول الى كرة ثلج تتدحرج في كل الاتجاهات وتعصف بالقرار الوطني للعديد من الدول العربية في طريقها!