لقد وظّف الأسلاف الجلد لمعظم استعمالاتهم الحياتية اليومية، فمن صوفه، وشعره، ووبره لبسوا، وتغطّوا، وافترشوا، ومن الجلد احتذوا، وصنعوا معداتهم الأساسية، ومنها السروج للركوب و«القربة» للماء، و«الشّكوة» للبن.. و«المشكُ» للرّي، والحافظة للنقود والحجج. «النّافول» للسميد و«المزود» للمؤونة من كسكسي و«محمّصة» و«برغل» و«بسيسة» و«مرْمزْ» وهو طحين الشعير الأخضر، والمعروف حاليا ب«شربة شعير» وغيره. ومن الجلد صنعوا الطار، والبندير، والطبل، وأخيرا المزود الصيّاح النوّاح الشطّاح في الليالي الملاح من غروب الشمس الى طلعة الصباح. ومن الجلد صنعوا «الرقعة» بنقاطها الثلاث فوق القاف وهي التي تهمّنا في هذه المساحة. الرقعة نوعان فهي إما أن تكون من جلد الخرفان أو من جلد الثيران وكلتاهما تفرش مفتوحة أرضا في كل الاستعمالات، ففي صدرها تنتصب الرّحى للطحن، وفيها تتلاقى أيادي «الحمّاصة» و«الكسْكاسة» إعدادا ل«العولة». ولا تنغلق إلا على عجين الخبز للتخمير قبل الطهي. وتلك خبْرة أخرى لخبزة أخرى ولا تكون الرقعة إلا من الجلد الصحيح، ومن هنا جاء وصفهم للوجه الذي يفتقر الى الحياء ب«صحّة الرقعة». والوجه الرقعة عندهم هو ذاك الذي لا يغيب عن محْضر. ولا يحلو له الحضور إلا وهو مفروش كالرقعة، وهكذا يتغيّر مفهوم الرقعة عندهم من نعمة إذا تعلقت المسألة بالجلد الى نقمة إذا تعلق الأمر بالوجه والناس بوجوهها عندهم طبعا. وربّ الكعبة ما كنت أتطرّق لهذا الموضوع لو لم يستفزّني وجه من هذا القبيل في احدى النشرات التلفزية الاخبارية بالتلفزة الوطنية، حيث ثارت ثائرته وتطايرت من فمه فقاقيع لعابه، وهو يتحدث باسم الشعب، إذ قالها بعظمة لسانه ولا أظنّ هذه العظمة إلا «حارمة» نحن من ينوب الشعب فما عساك وعساني أن نقول سوى: إنها «صحّة رقعة»؟ وأيّة رقعة؟ إنها رقعة من جلد الفيل.