أحيانا تقفز قرية مجهولة الى صدارة الاحداث... على صغرها تصبح عاصمة الحدث وتنازع عواصم كبرى في نشرات الاخبار... من كان يعرف تل عفر قبل شهر؟ ولو طرح السؤال في مسابقات الفضائيات لما ربح احد المليون.... ومع ذلك ها هي القرية المجهولة سابقا تضع العلاقات الحميمية والاستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة على صفيح ساخن... والغريب هو أن تل عفر لا توجد في تركيا.... ولا هي ولاية امريكية... تل عفر موجودة في العراق، وهي تتعرض يوميا للقصف الامريكي... قصف لا يفرق بين مدني ومسلح... غير أن من بين القتلى هناك التركمان... وهذا ما استفز تركيا... دُعي سفير الصديق الاستراتيجي على عجل ليسمع الاحتجاج الصارخ والمرفوق بالتهديد المباشر بايقاف كل تعاون إذا ما تواصل القصف... أحاول أن أفهم... هذه تركيا التي جعلتها صداقتها بأمريكا ودورها الاستراتيجي هناك تربط علاقات باسرائيل وهي اسرائيل دون ان يرف لها طرف... هي نفسها التي تضع علاقاتها الاستراتيجية مع حليفها من اجل قرية... في العراق... هذه المفارقة العجيبة تؤكد مرّة أخرى ان الامريكان لم يكتشفوا بعد مدى تشعب الحرب على العراق... وفي كل يوم تكبر الورطة... ورطة بلا قاع. كانت ادارة بوش تعول على المعارضة فاكتشفت ان الذين جنّدتهم ليسوا متجانسين... ولهم ولاءات دينية وعرقية لدول اخرى ولهم حسابات داخلية عشائرية... فالسيستاني مثلا ايراني وهو الذي قيد مقاومة الشيعة ضد الاحتلال.... ولكن الى متى!! قد يأتيه الضوء الاخضر في أي وقت... كل دول الجوار لها مصالح تدافع عنها داخل العراق المحترق... كل دولة تحاول الحفاظ على ورقتها في الخضم لتفاوض او تقايض... او تضغط بها على آلة الحرب الامريكية في قضايا اخرى لا علاقة لها بالعراق.... صار العراق سوق الموت من أجل حياة الانظمة المجاورة... وهذا يعني ان الورطة قد تدوم عشر سنوات... فخلف الحرب المعلنة حروب عدّة تحت الارض وفوقها... حروب بالوكالة وخلف مسميات وأقنعة عديدة... وهذا ما لم تدركه الادارة الامريكية عندما كانت تتحدّث عن تحرير يستقبل بالزهور والحال انها فتحت باب جنهم واخرجت الجن من قمقمه... فعلا، العراق خلطة كيميائية لا يفهها الا اهلها... ليس هناك تل عفر واحدة... والعبوات الناسفة ليست مزروعة في الطرق وحدها وانما في ثنايا تاريخ العراق وفي كل فواصل الجغرافيا... فالعراق ارض دجلة والفرات هي «بلاد ما بين النارين»... نار الاعداء من الخارج ونار الاعداء من الداخل.