يقال إن أصغر الأفواه أجملها وألطفها وأحلاها. ويقال إن الفم إذا اتسع وانحل شدقاه وطال لسانه أصبح «جلغة» يتحاشاها الناس ويخشونها. ولا أمل عند كل من يسمعها إلا تسكيرها وسدها وغلقها. وإلى جانب الجلغة هنالك «الفم الأبخر» الذي لا وصفة لعلاجه إلا بالطب الرعواني حيث يجمع السابقون من العارفين بأمراض الأفواه على أن « ما دواء الفم الأبخر إلا السواك الحار» هكذا تذكرت وأنا أتابع تواتر صراعات الألسن في لجنة حماية أهداف الثورة. والإصلاح السياسي والانتقال الديقراطي في المدة الأخيرة. فهذه اللجنة في البداية قالوا إنها لجنة استشارية. قلنا لا خاب من استشار. وقالوا إنها موسعة. قلنا «في الوسع رحمة». قالوا تجمع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني ونخبة من الوطنيين المستقلين الأحرار قلنا ما دام الأمر كذلك فلا تكون إلا هي بيت الحكمة التي نقف جميعا تحت سقفها. قالوا إنها لجنة لحماية أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي فقلنا ربّي أنعمت فزد وبارك في ثمار أعمالها وصدّق أقوالها ودعّم أوصالها واسعد أحوالها. ومرت الأيام ودارت الأيام فسمعنا فيها من نصب نفسه حاكما يحكم ويتحدث باسم الشعب. فقلنا بردّ اللّهم عليه حمى الحكم واحمنا من هذيانه حتى لا يصدقه غرّ ولا غافل فيعود علينا بالوبال وضيق الحال وغموض السؤال. ومرت الاجتماعات واصطفّ أهل الأحزاب في كل باب من أبواب النقاش. هذا «طبّال ومعرّس لحزبو» وذاك «يغني وجناحو يرد عليه» والآخر «يحمص ويبارك لروحو» والكل ينادي «ضرب الطبال هانت الخسارة» فهاتوا من المال العمومي للأحزاب ما استطعتم. ولا خوف عليهم من الفقر ولا هم يحزنون. ومرت الأيام ودارت الأيام وارتفع الضجيج وازدهر التهريج نادى فيها المنادي «سكّر فمّك» ولسنا ندري إن كان هذا النداء أمرا أم مقترحا للنقاش من أجل مواصلة النقاش. بالنسبة لي في كلتا الحالتين تبقى المسألة في أشد الحاجة إلى نصيب من السواك الحار وإلا فأضعف الإيمان «فم مسكّر ولا كلمة مشومة».