احتفل العالم الإسلامي بعيد الفطر السعيد، والسعادة غائبة عن ربوع فلسطين، والبهجة متوارية عن الشوارع والميادين، والبسمة مختفية عن الشفاء والوجوه، والقلوب يغمرها حزن عميق، والعيون تفيض بالدموع على عزيز استشهد، وجريح أقعد، ومناضل اعتقل، ووطن يفتقد الى الحرية والأمن والسلام، ومسجد مطوّق بحراب الاحتلال وقطاع محاط بسياج من دار وحصار، فيما ترتفع أصوات التكبير والتهليل بقدوم العيد من فوق مآذن مساجد ديار الاسلام، ترتفع أصوات التكبير الحزينة من فوق مآذن القدس. ويتردد صدى أنين الجرحى والمعذبين وعويل الثكالى في فلسطين. وفي هذا اليوم يفرح أطفال العالم الاسلامي بالعيد في ما يلفّ الحزن أطفال فلسطين على آبائهم الذين استشهدوا، وعلى أقرانهم الذين يحرقون ويحصدون دون رحمة من جنود قوات الاحتلال وتلبس النسوة في ديار الاسلام حليّها وأجمل ما عندهنّ، ونساء فلسطين يتّشحن بالسواد على فلذات أكبادهن وعلى من امتزجت دماؤهم مع طعامهم وهم على موائد الافطار بفعل القصف الصهيوني الهمجي الغادر. ويتألم الشعب الفلسطيني بحرقة لصمت المجتمع الدولي والادارة الامريكيةعن هذه الجرائم. و يعتبر هذا الصمت بحد ذاته جريمة لا تغتفر. ولا غرابة في ذلك، إذ أن علاقة أمريكا الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني مبنية على سفك مزيد من دماء هذا الشعب ودعم قوات الاحتلال بكل الوسائل لشن حربها وارتكاب مجازرها في الأراضي الفلسطينية. يمر هذا العيد ورغم مرارته إلا أن الشعب الفلسطيني مستمر في صموده الأسطوري وانتفاضته ومسيرته ومواجهاته البطولية ملتفا حول قيادته من أجل تحقيق أهداف ثورته وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والتي كان يرددها الرئيس الراحل الرمز عرفات بقوله: «إنني أرى زهرة من زهرات فلسطين أو شبلا من أشبالنا يرفع علم فلسطين فوق أسرار القدس زهرة المدائن، هذا القائد الأب الحنون الذي كان يقاسم جنوده ومناضليه وشعبه الطعام والماء في شهر رمضان في قواعدهم ومخيماتهم، والذي يسير على خطاه الرئيس أبو مازن متمسّكا بأهداف شعبه وثوابته رغم كل الضغوطات. إن مثل هذه القيادات التي تحافظ على تطلعات شعبها وتبدي شجاعتها في مواقفها تكبر في أعين شعبها. إن هذا الشعب استطاع بصموده أن يتجاوز الكثير من المحن وأن يواجه العديد من الحرائق التي اشتعلت من حوله وأن يتغلب على الصعاب، وينهض كالعنقاء من تحت الرماد أكثر قوّة وشموخا وصمودا ورأسه مرفوع. في ليلة عيد الفطر السعيد تتلألأ النجوم الساطعة على نوافذ الشعوب الاسلامية التي تنعم بالحرية والاستقلال، فيما تغيب عن نوافذ المظلومين في فلسطين. ويصدم السكون والظلام وخلوّ الساحات والميادين أبناء فلسطين من بهجة العيد، في وقت يلفّ الحصار قطاع غزّة الغارق في الظلام ويطوق جيش الاحتلال مدينة زهرة المدائن بقلاع المستوطنين والمستوطنات. لقد ارتبط حب فلسطين والمسجد الأقصى في وجدان الفلسطيني والعربي وتلازم حنين المبدعين عنها في دنيا الشتات والاغتراب الى أرض الوطن بالتضحية والفداء. إذ أن فلسطين بغير القدس جسد بلا روح والأرض الفلسطينية بلا عودة أهلها الى ربوعها أرض قاحلة ومقفرة لا حياة فيها. وإن شعبا بدون أهداف لا حياة فيه، وإن شعبا بدون أهداف لا قيمة لنضاله. إن المشهد الفلسطيني يطالعنا في كل يوم بمزيد من الدم المسفوح الذي يسيل قانيا من دماء الأطفال والنساء والشيوخ على يد العصابات الصهيونية المجرمة. وقد أصبحت هذه الدماء وانتفاضة الجماهير تحاصر أضاليل الكيان الصهيوني وتزوير الحقائق لدى الرأي العام العالمي. حيث تغيرت مواقف أنظمة رسمية كثيرة من سلوك وجرائم الكيان الصهيوني في فلسطين. إن الأمر يتطلب من الأنظمة الرسمية العربية والاسلامية مزيدا من العمل الجاد لدعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. إن ملحمة الأقصى ومسيرة العودة مازالت قائمة. ومواكب الشهداء والجرحى مازالوا يتساقطون، وشعب فلسطين ينتظر المد والعون من إخوانه في الأمتين العربية والاسلامية. فلنجعل من معركة فلسطين وملحمة فداء الأقصى معركة الحسم وتقرير المصير ولنعيد الى أمتنا مجدها وعزتها.