هنالك ثلاثة أحداث تبدو في ظاهرها بسيطة ولكنها في الواقع ذات أبعاد خطيرة وتُؤشِّرُ على أنّ رؤساء البلديات النهضويّين والمتكتّلين من أعضاء البلديات النهضوييّن سوف لن يتعايشوا حضاريّا مع كلّ مُكتسيات البلديات من مظاهر الثقافة والتنشيط الشبابي والتنظيم الاجتماعي والرياضي وجماليّة العباد والبلاد وغير ذلك من مظاهر النهضة الحضاريّة التي عَرفتها مدننا منذ الاستقلال والتي رغم التَسَيّب الذي اعتراها طوال السبع سنين الماضية بقيت محافظة على مقوّماتها الأساسيّة التي يمكن أن تكون عمادا لإصلاحات جذريّة قادرة على مزيد النهوض بمدننا ثقّافيّا وذلك بنشر ثقافة الحداثة والتقدّم بعيدا عن مظاهر التعصّب والتزمّت والرجوع بنا إلى عصور الظلاميّة وثقافة التأخّر والتقهقر الحضاري الذي قضى عليها بورقيبة بفكره المستنير وبمساندة كلّ أصحاب العقول التي أزيح عنها الظلام الذي استبدّ بها عصورا وتَنَسَّمَتْ حريّة التفكير وأزاحتْ عِقال الجهل والتأخّر وخاصة عند المستنيرين من شيوخ الزيتونة . وأوّل هذه الأحداث ولكن ليس أهمّها إذ رغم خطورته فإنّي أعتبره محاولة من شخص هاو لا يعرف معنى المسؤوليّة والالتزام بالمبادئ الأساسيّة وهي تجربة أراد لها صاحبها أن تكون كقطرة الزيت في الانتشار عَلَّ فعلته هذه تكون منطلقا لما هو أعمق وأكثر أثرا في الحياة للمجموعة المحلّية وهو ذلك" الأمير" الذي جعل من مَنْطَقَة شَعْبِّة يمتاز سكاّنها بالطيبة والبساطة جَعل منها إمارة وجعل من لجان حماية الثورة بلاطه وهم كما نعلم أصدقاء بن سدرين وفي حماة النهضة هذا النكرة»رئيس البلديّة» أعلن رفضه إبرام عقود زواج التونسيات بغير المسلمين رغم أنّ رئاسة الجمهوريّة أعلنتْ إسقاط كلّ التشريعات التي تمنع المسلمة من الزواج بغير المسلم وكان يَظُنّ أنّ فِعْلته هذه ستجد تجاوبا من رؤساء البلديّات النهضويّين وهي طريقة إخوانيّة في شقّ عصا الطاعة وبث الفتنة وتتمثّل في إلقاء الموضوع في الواقع المعاش ثمّ أخد القرار النهائي بعد ان تأكّد من مدى تجاوب الناس أو عدم تجاوبهم مع هذا الموضوع ولا يهمّني استنكار النهضة لما صرّح به هذا الذي عرف بالدفاع عنها إلى آخر رمق وليسمح لي "العيوني "أن أعرض عليه مسألة بأسلوب بدائي هو أسلوب مشايخ زمان زمن الانحطاط الذي ما زال يحنّ له العيوني وهي: هَبْ أنّ تونسيّة تقدّمتْ لكتابة عقد نكاحها ببلديّة الكرم فرُفِضَ طلبها .هَبْ أنّها طلبت من خطيبها أن يدخل في الإسلام وأنّ الخطيب سيقول لها ليس ديني هو الذي مَنَع عقد زواجنا بل هو دينك.هب أنّه قال لها تعالي معي إلى الكنيسة وسنعقد زواجنا بدون شروط .هَبْ أنّها تقبل ألا يكون بهذا الباب الذي فَتَحْته- يا عيوني- قد ساهمت في خروج كثيرات من المسلمات من هذا الدين الإسلامي ألا تشعر عندها بالذنب. وهب أنّها ترفض ذلك وتفرّط في هذا الزوج وتبقى عزباء بقيّة حياتها لأنّها صدمتْ من الزواج ألا تشعر بالذنب من فعلتك هذه. خَاطَبْتُكَ بهذا المنطق السخيف الذي كان يتعامل معه أمثالك من المتحجّرين أمّا الحقيقة التي أدعوك أن تتحقّق منها هي أنّ الآلاف من التونسيات والتونسييّن يستسهلون اليوم التمسّح( الهروب للمسيحيّة) رغم قلّة المبشّرين نفورا من الدين الذي حرّفه أمثالك من"الرهبان" الإسلام الذي هو دين لارهبانيّة فيه. ومع هذا أعتبر أنّ هذا الحدث غير خطير إذا قِيسَ بالحدث الثاني وهو محاولة أحد أعضاء النهضوييّن من مجلس بلديّة" الياقوتة طبرقة" الذي حاول بكلّ الوسائل الدنيئة ليمنع فرقة أجنبيّة من افتتاح مهرجان الجاز في طبرقة هذا المهرجان الذي سيعقد لأوّل مرّة في مسرح البحر ذلك المسرح الرائع التي عُلّقَ في الجبل وهو مُطِلّ على البحر والغابة لتنبعث منه موسيقى «الدجاز» في منظر قلّ وجوده في العالم إذ قلوب الإخوان لا ترتاح لهذا الجوّ اللطيف والمنعش لذلك أُعْتُبِر أنّ تعطيل حفل الافتتاح هو بداية لأنّ المجلس البلدي في بدايته والبقيّة- أي معاداة الفنّ والجمال وترويح التونسييّن على أنفسهم- آتية لا محال وليس في" طبرقة" فقط بل في كلّ نقطة نور وفرح في هذا البلد المتفتّح على الحضارات الإنسانيّة. وبالمناسبة أترحّم على روح المرحوم الجيلاني الدبوسي الذي عرفه الشعب التونسي عضوا في مجلس النوّاب وقد اشتهر بأسلوبه الطريف ونقده اللاذع ومواقفه الجريئة كما أنّه تحمّل مسؤوليّة رئاسة بلديّة مدينة طبرقة وعلى ذكر" طبرقة" فإنّ ما أضافه الدبوسي لهذه المدينة من جماليّة وروعة ما زال واضحا للعيان وسيبقى شاهدا على مرّ العصور وأذكر خاصة مسرح الهواء الطلق الذي انتصب مطلّا على البحر والغابة وأنا أعرف ما بذله من جهد وما وظّف فيه من معارفه حتى يشيد هذا الصرح الثقّافي الذي يعدّ هو ومهرجان الجاز من مفاخر هذه المدينة ومن مفاخر هذا الوطن .كما أنّي ما زلت أذْكر إلى اليوم البرقيّة التي وصلتني من المرحوم وأنا مدير المعهد الثانوي بعين دراهم في ثمانيات القرن الماضي ليعلمني أنّ الدولة وافقتْ على إنشاء مطار .في «طبرقة» وكان للدبوسي فضل في ذلك وقد استمعتُ لابنه الذي تحدّث عن قضية والده التي تعهّد بها القضاء الفرنسي حيث اعتبر الابن أنّ موت والده هي جريمة دولة وجريمة سياسيّة بامتياز إذ يَعْتَبِر أنّ والده قد وقع حجزه وتعذيبه لمدّة 30شهرا فقد أودع السجن بدون الاستماع إليه وبدون بطاقة إيداع والدليل أنّه لا توجد إلى اليوم بطاقة إيداع بالسجن في حقّه وقد طلبها القضاء الفرنسي ولم يحصل عليها إذ هي غير موجودة .وهو يتّهم وزير العدل النهضاوي إذّاك بتسبّبه في وفاة والده وقد ردّ عليه الوزير في نفس البرنامج وحيث أنّ القضيّة كما قال الابن هي بين يدي القضاء فإننا سنترقّب الفصل فيها إذا عداء النهضة لهذا الصرح الذي بناه الدبوسي في طبرقة لا شكّ فيه وعداؤها ل" الدجاز" أمر مفروغ منه وما «طبرقة» إلّا البداية ومهرجانات الصائفة المقبلة سنرى فيها من العراقيل من رؤساء البلديّات النهضويّين العجب العجاب من جميع النواحي وخاصة من الناحيّة الماديّة والبرمجة الفنيّة. أمّا الحادثة الثالثة فهي الإشاعة التي روّجتْ حول أنّ رئيسة بلديّة تونس سوف تزيل اسم» الحبيب بورقيبة» من النهج المسمّى باسمه فإنّي لا أشكّ لحظة واحدة في أنّها إشاعة مُخْتَلقة لكنّها إشاعة أخطر من الخبر الصحيح لأنّه لا أحد ينكر أنّ النهضويّة المزيّفة التي قَبِلَتْ بها النهضة لقاعدة معروفة عند الإخوان المسلمين وهي التستّر والكمون وإنّي أخشاها وأخشى مورو «الظريف» أكثر من خِشْيتي من نهضاويّة متحجّبة أو إخواني صقر ...هذا قد يطول شرحه وقد أرجع إليه في غير هذا المكان .فهذه المرأة لا يمكن إطلاقا أن لا تكون لها في أعماق أعماقها رغبة جامحة لإزالة إسم بورقيبة وتمثاله وإلّا لما كانت إخوانيّة.لكن لا يمكنها أن تحقّق رغبتها لأنّها جاءت متأخّرة فبورقيبة ودولته وأفكاره انْغَرستْ عند الشباب التونسي وصار من المستحيل مسّ هذا الثرات الذي هو اليوم ملك الشعب لذلك فإنّي أفترض أن تكون هذه الإشاعة من صنع «الرئيسة» حتّى تختبر ردّة فعل التونسيّين وتكون قد قامتْ بالواجب نحو النهضويّين لأنّها فكّرتْ في الموضوع واجتهدتْ ولها بذلك أجر واحد لأنّها لم تُصِبْ أمّا خطورة هذه الإشاعة التي لا يمكن إلّا أن تكون نهضويّة فتَكْمُنُ في ما سنراه مستقبلا من كلّ رؤساء البلديات النهضويّين حيث لنا في كلّ مدينة شارع بورقيبة ولنا كذلك معالم ترجع إلى إنجازات بورقيبة ودولة الاستقلال عَدُوتهم وهذا متعلّق بمدى سيطرة النهضة في 2019 على مفاصل الحكم إذ ذلك سيسهل مهامهم وهذا نداء إلى كلّ المتشدّقين بالمدنيّة والحداثة أن يجمعوا شملهم للحدّ من تغوّل النهضة حفاظا على مكاسب هذا الوطن. إنّ المكاسب التي نخشى عليها من النهضة هي خاصة مكاسب معنويّة دقيقة قد لا ننتبه إلى أهمّة التلاعب بها لذلك لا بدّ أن نكون يَقِظين مُتَوثّبين للوقوف بكلّ الوسائل القانونيّة في وجه كلّ متلاعب بهذه الأمور التي تبدو بسيطة لكن بتراكم إتلافها تزحزح المدينةالتونسييّة من مظهرها الحضاري المدني الذي يحلو فيها العيش إلى مقابر يعشّش فيها الغربان ويهجرها أصحاب الأذواق السليمة لذلك أطلب من كلّ من يطّلع على هذا الموضوع أن يراسلنا بما يقوم به أعضاء البلديات من النهضة قَصْدَ تغيّر الصبغة المدنيّة للمدن التي»يسيطرون عليها» حتّى نقوم بالتحرّي من صدق ما وصلنا وإن صحّ فسنشهّر بهم ونعترض عليهم بكلّ الوسائل القانونيةّ وهذا العمل أعتبره من الوطنيّة حتّى لا تمرّ هذه الأفعال المضرّة بمدننا في الخفاء ونبقى نادمين متحسّرين.