لم ينتظر الكثير من الفلاّحين طويلا حتى تجد مؤسسات الدولة مخرجا لازمة المياه فمرّوا نحو الحفر العشوائي للآبار ليبلغ عدد الآبار العشوائية الى غاية نهاية العام 2016 ما لا يقل عن 13500 بئر عشوائية تهدد مباشرة الموارد المائية. تونس الشروق: أزمة متعددة الاوجه مزجت بين ماهو اجتماعي وصحي وبيئي واقتصادي فنقص المياه يهدد مستقبل الزراعات السقوية في تونس ويهدد بالتالي مستقبل الآلاف من الفلاّحين الا ان الحلول المستعجلة التي لجأ اليها هؤلاء لتأمين استمرارية إنتاجهم الفلاحي يفتح الطريق الى ازمة جديدة ألا وهي استنزاف الموارد الجوفية في الوقت الذي يتهدد فيه شبح العطش البلاد. حلول فردية «لم اجد من حل سوى جهر بئر لتأمين حاجيات ما ازرعه من المياه خاصة وانني اشغّل عشرة عاملات وعمّال وبالتالي تامين موارد رزق تلك العائلات فإذا ما انتظرت ان تتحرك مؤسسات الدولة لايجاد حل لنقص مياه الري عليّ اولا ان اطرد العمال وأخسر الكثير من المساحات الزراعية وقد لا يأتي الحل العاجل لاجل هذا اخترت الطريق الأقصر الا وهو حفر بئر فاق عمقه الستون مترا وبالتالي فهو بئر غير مرخص فيه بالنسبة للسلطات» هكذا يقول محمد وهو اسم مستعار لفلاح اصيل ولاية قفصة. ولفت محمد النظر الى ان فلاحة الجنوب يعانون من نقص حاد في الموارد المائية الامر الذي يهدد مستقبل الانتاج الزراعي في تلك المناطق ما لم يتم وضع استراتيجية عاجلة للانقاذ واخرى طويلة المدى لايجاد حلول بديلة. كما قال محدثنا ان الفلاّحة على دراية دقيقة بازمة نقص الموارد المائية «لاجل هذا نحاول ترشيد استهلاكنا من المياه فالبئر العشوائية تمس من الموارد المائية الجوفية وتهدد مستقبل اجيال». قناعة أكدها عضو المكتب التنفيذي لنقابة الفلاّحين الميداني الضاوي قائلا ل«الشروق» «الآبار العشوائية تزايدت بشكل كبير بل هناك انفلات في حفر هذه الآبار ما بعد الثورة ونحن لا يمكن ان ندافع عن الخطإ فهذا الامر يستنزف الموارد المائية لكن في المقابل على الدولة ان لا تلعب دور المتفرج بل على المسؤولين ايجاد حلول لازمة نقص مياه الري وذلك بتوفير امكانية تحلية المياه او جلب المياه من السدود او من البحيرات الجبلية». واكد الضاوي ان موقفه لا يروق للكثير من الفلاّحين لكنه موقف يتماشى مع وضع البلاد اذ لا يمكن باي حال من الاحوال الدفاع عن الخطإ. المعركة المستقبلية قال الميداني الضاوي إن المياه هي المعركة المستقبلية لتونس مؤكدا ان نقص الموارد المائية افرز مناطق تم فيها تحجير جهر الآبار ومنها منطقة سيدي بوزيد التي تشهد كثافة في الآبار السطحية والعميقة ايضا وهو واقع جعل الكثير من الفلاّحين يلجؤون نحو حفر آبار عشوائية لتأمين حاجياتهم من المياه. قال ايضا «بلادنا مهددة بالعطش وهذه الآبار ستعمق من الازمة ومطلوب من مؤسسات الدولة تطبيق القانون وردع المخالفين». واضاف «الصعوبات هي التي دفعت بالفلاح الى اتخاذ اجراءات فردية لتأمين حاجياته من المياه لكنّنا مهددون بالعطش وهذا ما يجب ان يعترف به الفلاّح كما ان مائدتها المائية مهددة بالتملح وأتساءل كيف لا تقر وزارة الفلاّحة اي دعم لتجهيزات تحلية المياه فمن هنا تُخلق ديناميكية». من جهته قال محمد العيادي مدير المياه الجوفية بالإدارة العامة للموارد المائية بوزارة الفلاّحة ل»الشروق» إن حفر الآبار العشوائية ظاهرة قديمة برزت خلال العام 2008 في مناطق الجنوب وخاصة في ولاية ڤبلي وقد تفاقمت خلال السنوات الاخيرة في مختلف المناطق ليبلغ عدد الآبار العشوائية اي غير المرخص فيها 13500 بئر الى حدود 2016 وهذا امر له تداعيات كبيرة على الموارد المائية والتي سيتم استنزافها بهذا الشكل. قال ايضا ان هذه الابار فيها تجاوزات وهي مخالفة لمجلة المياه (قانون عدد 16 لسنة 1975 المؤرخ في 31 مارس 1975) وقد تتسبب في تملّح المائدة المائية. واكد انه يتم اعداد محاضر عن طريق محلفين وتم توجيه بعض الملفات الى القضاء مضيفا «نحن نسعى للحد من هذه الظاهرة خاصة وانها تكرس ازمة العطش امام النقص الحاد في الموارد المائية». ازمة عميقة تتطلب حلولا عاجلة لإنقاذ الانتاج الزراعي وضمان الأمن الغذائي وفي الآن نفسه وضع مخطط استراتيجي لتأمين الامن المائي للاجيال القادمة. الفصل 9 من مجلة المياه «إن التنقيبات والآبار التي لا يتجاوز عمقهاخمسين مترا والتي هي غير موجودة داخل منطقة تحجير أو صيانة محددة بالفصلين 12 و15 من هاته المجلة يمكن القيام بها بدون رخصة سابقة على شرط أن تعلم بها الإدارة من طرف المالك أو المستغل». ويقصد بمنطقة التحجير المناطق التي يكون فيها حفظ المياه او نوعيتها معرضين للخطر من جراء الدرجة التي بلغ اليها استغلال الموارد المائية الحالية.