لكلّ مرحلة تاريخية آفتها وآفة مرحلتنا الأخبار الزائفة، أو ما يُسمى تحت سماوات أخرى ب«الفايك نيوز» (Fake News). «الفايك نيوز» ليست ظاهرة عرضية عابرة، بل هي صناعة تتطوّر كل يوم هدفها تضليل الرأي العام للتأثير عليه وتوجيهه وجهة معيّنة خدمة لمصالح معلومة هي ليست دائما لصالح أصحاب الرأي العام. صناعة «الفايك نيوز» تتغذّى على الحريّة وخصوصا حرية التعبير التي هي أساس كل نظام ديمقراطي. من ذلك أن البلدان الراسخة قدمها في الديمقراطية هي الأكثر تضرّرا من هذه الظاهرة والتي يرجع مؤرخو وعلماء الاتصال تاريخ نشأتها إلى سنة 2016 في المملكة المتحدة حيث لعب صنّاع الأخبار الزائفة دورا حاسما في تغليب كفّة «نعم» على كفّة «لا» في الاستفتاء التاريخي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي أو «البركسيت». ويكفي أن نشاهد حالة الفوضى التي تعيشها بريطانيا اليوم لندرك خطر «الفايك نيوز» وتداعياته المدمّرة على بلد هو من أعرق الديمقراطيات في العالم. في نفس سنة 2016 لعب الفايك نيوز في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكانت النتيجة انتخاب دونالد ترومب رئيسا. والبقية معروفة يمكن مشاهدتها كل يوم في أمريكا وفي العالم. في فرنسا التي تعيش على وقع زلزال «السترات الصفراء» لم يجد رئيس الجمهورية غير الدعوة إلى بعث هيكل صحفي تعديلي يساعد على الحسم بين الخبر الجيّد وبين الخبر السيّء، أي بين الخبر الصحيح وبين «الفايك نيوز». «الفايك نيوز» يتمتّع بسلاح فتّاك اسمه شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تلعب في الديمقراطيات دور إعلام مواز لا تقدر عليه مراقبة ولا قانون. في تونس لنا أكثر من سبعة ملايين حساب فايس بوك ولا حسيب ولا رقيب. الكل يفتي، والكل يغنّي على ليلاه، والكل يصنع الخبر، والكل «يبرتاجي»، والكل «يلايك»، والكل يشكك، والكل يكذّب، والكل يشتم الكلّ. وفي ظلّ هذه الفوضى الفايسبوكية ضاعت المعالم والعلامات ولم يعد من الممكن تبيّن الحق من الغيّ ولا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من واقعنا الذي يتأرجح يمنة ويسرة مثل قارب ثمل على حدّ تعبير شاعر فرنسا رانبو. والأخطر في كل هذا أنه، وعلى خلاف أعتى الدول وأكثرها تقدما والتي تحرّكت لتمسك بزمام هذه الظاهرة وتجد لها الحلول الفكرية والقانونية والتنظيمية، نحن في تونس لا نبدي اهتماما يذكر ولا نحرّك ساكنا. ربما لأننا أكثر ديمقراطية من بريطانياوفرنسا.