يبدو أن قدر الجزائر أن تعيش أبية وشامخة على الدوام رغم كيد الكائدين وأطماع المتربّصين. ويبدو أيضا أن صوت العقل والحكمة ومصلحة الوطن من جميع الاطراف قد لعبا دورهما في المنعرج الأخير من أزمة العهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والتي كانت ستؤدي الى ادخال البلاد في منعرج خطير وعواقب غير محمودة. الشعب الجزائري وعلى جدّته في مشوار نسائم الحرية والتغيير والذي رفض عهدة خامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للأسبوع الثالث على التوالي، ضرب مثالا في التحضّر والوعي بدقّة المرحلة وحساسيتها وأخذ في عين الاعتبار ما يحيط بالبلاد من "حرائق" كمثال عما يمكن أن تصل اليه الأمور لذلك أصر ونادى منذ اليوم الاول والى الآخر "سلمية سلمية" وما كان من النخبة السياسية الا رد الجميل. ان ما حصل اليوم في الجزائر من احترام وتقدير وتلبية لإرادة الشعب في التغيير سيكون عبرة ودرسا في الديمقراطية وسيلهم الشعوب والانظمة في المستقبل لنهل هذه التجربة الجديدة الفريدة من نوعها على المستوى العربي والدولي والتي كسرت قاعدة التفرّد بالرأي وعدم الانصياع لرغبات الشعوب المتعطشة للحرية والديمقراطية. وفي الحقيقة ليس بغريب على جزائر الأمير عبدالقادر وهواري بومدين ومحمد بوضياف ورجال سطّروا تاريخ البلاد يطول ذكرهم هذا الفعل، وليس بغريب على هذا الشعب العظيم الذي له صولات وجولات في التاريخ و أبى أن يغيب أيضا عن الحاضر والمستقبل والذي رسم خطواته الاولى نحو التغيير والحرية والمرور الى جزائر ما بعد حقبة بوتفليقة بكل شجاعة ووعي وتحضّر. ان هذا التصرف السياسي الحكيم ما هو الا انتصار للجزائر بكل أطيافها، وهزيمة نكراء للمتربصين بها من قريب أو من بعيد، وللأيادي الخبيثة التي بدأت تتلمس خطاها في الايام الاخيرة من المظاهرات لبث الفتنة والفوضى عبر الدعوة الى العصيان المدني الذي كان سيجر البلاد الى التناحر. ان الجزائر المحاطة أصلا ب"حقول ألغام وأزمات" و المتربّص بها اقليميا ودوليا والتي وقفت سدا منيعا أمام محاولة حشرها في مسار ما يسمى بالربيع العربي انتصرت اليوم بإرادة سياسية وشعبية كبيرة لنفسها وقطعت الطريق أمام الاطراف الدخيلة وقالت نعم لجزائر جديدة تحتذى . يمكن الآن لبوتفليقة أن يخرج من الباب الكبير وأن يحتل مكانة في ذاكرة الشعب الجزائري كرئيس خلّد حدثين هامين في تاريخ الجزائر أولهما الخروج بالجزائر من مربع "العشرية السوداء " الذي فتك بالبلاد بحنكة ودهاء كبير (ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ابان العشرية السوداء) وثانيهما تركه السلطة وان كان تحت ضغط الشارع وبالتالي تجنيب البلاد حقبة سوداء جديدة. تحية اجلال واكبار للشعب والحكومة والجيش الجزائري الذين أبوا أن يذهبوا بالجزائر الى مربع الفوضى والعنف ومأساة جديدة متنازلين عن المصالح الشخصية الضيّقة، وهنيئا لهم بتغليب مصلحة الوطن التي هي الاولى والاخيرة فهي الباقية والاشخاص عابرون...والى العمل والاصلاح والبناء من أجل جزائر جديدة حرة وديمقراطية.