بدافع السياق الانتخابي وحسابات التموقع، تنخرط معظم الاحزاب في صياغة هيكلة متسرعة يطغى عليها فرض املاءات المركزية الحزبية على القواعد، فتكون نتيجة هذه الصنيعة غير الديمقراطية أحزاب هشة سرعان ما تتهاوى. تونس «الشروق» وعلى وقع الاستعداد لخوض غمار الاستحقاقات الانتخابية القادمة، تشهد الساحة السياسية استعدادات هيكلية لمعظم أحزابها سواء عبر عقد مؤتمراتها أو تجديد هياكلها ومكاتبها المحلية والجهوية، ويحفّز الدافع الانتخابي ومقتضيات التعبئة التشكيلات السياسية على التواصل مع الجهات والقواعد، فبدلا من تشريكهم في الهيكلة والقرار تفرض المركزية الحزبية على الاطراف شخصيات لتمثيلهم تحت مسميات عدة منها ما بات يعرف بالقائمات التوافقية في المؤتمرات، كما لو أن خطاب قادة الاحزاب الى قواعدهم يكمن في مسلّمة :››اعطني صوتك واصمت». هذه الممارسة غير الديمقراطية والتي تكمن في تصرف القيادات الحزبية في أحزابها كما لو أنها ممتلكات خاصة لا نجد لها حضورا بارزا في اقصى اليمين واقصى اليسار لكونها أحزابا بنيت على روابط ايديولوجية متينة على غرار حركة النهضة وائتلاف الجبهة الشعبية، في المقابل فإن لفيف الاحزاب التي تعلن تموقعها في الوسط تبدو أكثر ممارسة لهذا السلوك. وفي استقراء سريع لواقع الاستعدادات للانتخابات البلدية الماضية، وللعمليات التنظيمية الهيكلية والمؤتمرات الحزبية برزت صراعات متعددة بين المركز الحزبي وأطرافه في محطات متعددة، خلصت جميعها الى عناوين موحدة قوامها غضب التمثيلات الجهوية والمحلية من اقصائها ومن مجرد استعمالها كجسور عبور وقتية سرعان ما يقع التخلي عنها بانتفاء حاجة الاحزاب. إقصاء الجهات ويؤكد خبراء الشأن السياسي ومتابعوه أن هذه الظاهرة نمت وتطورت بسبب البنى الحزبية القاصرة، والتي بدلا من اشتغالها على افكار متقاسمة واراء تشاركية و برامج جادة، انبرت نحو بناء حزبي قوامه الاشخاص والمصالح الضيقة وليس هنا أدل على ذلك من ربط الاحزاب بشخصية مؤسسيها لدى الرأي العام. ولا يكاد يخلو مؤتمر حزبي واحد او تحضير لقائمات انتخابية من بروز قواعد غاضبة من انحرافات في الممارسة الديمقراطية، فهذه القواعد الجهوية التي اختارت الانتماء لحزب بعينه كانت تتطلع من خلال انخراطها الى المشاركة في صياغة القرارات وفي تمثيل جهاتهم، كيف لا وهي الادرى بشعابها لتصطدم في الغالب بقرارات مركزية تفرض اعادة ترتيب الشخصيات في القائمات المترشحة أو فرض موالين للقيادة المركزية في الجهات. فاقد الشيء لا يعطيه ويدفع التأمل في اغلب البنى الحزبية الى بيان أصل هذه الممارسات غير الديمقراطية في الاحزاب، فكيف للأحزاب السياسية أن تجسد الديمقراطية التشاركية وتؤمن بتمثيلية الجهات والفئات داخلها والحال وان بناها الاولى قد شيدت على اسس غير ديمقراطية، فاغلب أحزاب المشهد السياسي لم تنجز مؤتمراتها، ومن تجاوز ‹›عقبة›› المؤتمر فإن التوافقات كانت فيه حاضرة بقوة على حساب الانتخاب بشكل باتت فيه معظم الاحزاب أقرب الى ملكيات شخصية تجمع من حولها اصحاب المصالح المتقاطعة قصد تشكيل ماكينات انتخابية متفاوتة الحجم تنفجر في اول اختبار جدي لممارسة الحكم كما جرى ذلك مع حزب نداء تونس. تبدو مجمل الاحزاب السياسية في تونس ناشئة على بناء غير متماسك فخلافا للتجارب الديمقراطية الرائدة ومنها المثال البريطاني القاضي بتكوين أحزاب وفق فرز داخلي يفصل بين القيادة الميدانية والمؤهلين للحكم والمؤهلين للدور التشريعي، وينسق باحكام بين المركزية الحزبية وأطرافها، نجد المشهد السياسي الانتقالي التونسي في عمومه مناهضا لمبدإ اللامركزية ومحكوم بمصالح وأشخاص تعيد انتاج احزاب هشة تنذر بتهديد الديمقراطية نفسها. تماسك الاتحاد وتفكك الاحزاب يؤكد خبراء المجال السياسي أن الممارسة الديمقراطية ومدى احترام التمثيلات الجهوية تعد عاملا قويا في تماسك الاتحاد العام التونسي للشغل، في المقابل فإن مجمل الاحزاب السياسية ونتيجة لتأثيرات الحقبة الديكتاتورية لم تنخرط بعد في سياق اللامركزية لافتين الى أن عدم التنبه الى مخاطر اقصاء التمثيلات الجهوية والمحلية سيعجل بتفكك هذه الاحزاب. جوهر بن مبارك (أستاذ قانون دستوري ومحلل سياسي) .. أحزاب بعيدة عن تمثيل الجهات تبرز الممارسة السياسية في تونس غياب التقاليد الديمقراطية، حيث نجد احزابا بنيت على اشخاص وافراد ومصالح وبالتالي تكون هياكلها المركزية و كذلك الجهوية والمحلية مجرد ادوات لتحقيق أغراض ضيقة وبعيدة كل البعد عن تمثيل الجهات والفئات. مازلنا بعيدين عن مفهوم أحزاب المؤسسات، فبغض النظر عن اقلية الاحزاب الاكثر تنظيما بسبب روابطها الايديولوجية المتينة وتقاسمها لإرث نضالي مشترك فان بقية الاحزاب في المشهد السياسي تحكمها مصالح فردية و عائلية تجعلها عاجزة عن التطور وعن الانتشار في الجهات والمحليات وبالتالي تتفكك في أولى تجارب الحكم أو في اي اختبار ديمقراطي يعترضها. توفيق بوعشبة (استاذ قانون عام).. خيار لضمان الفوز في الانتخابات الحالة تختلف من حزب إلى آخر، ربما ليس صحيحا دائما ان المركز يتعامل مع هياكل الحزب في الجهات على اساس انها مجرد مخزون انخراطات و إطار يتم من خلاله إبراز مدى انتشار الحزب ترابيا.و الدليل على ذلك أن جل من يصلون إلى البرلمان هم من مرشحي الأحزاب بالجهات المختلفة، مع ذلك قد يكون هناك تصرف من المركز في خصوص رئاسة القائمة أو اللجوء احيانا إلى صيغة ما يسمى بالقائمة التوافقية فيكون ذلك في غير صالح مناضلي أو كوادر الحزب في الجهات، و لكن غالبا ما يحصل اللجوء إلى هذا الخيار لضمان افضل ظروف الفوز لقائمة الحزب. فالمسألة لا تدل بالضرورة وفي جميع الحالات عن إنحراف ولكن تبقى هناك حالات معبرة عن انحراف قائم على إنتهازية و على تسلط المركز بما يتناقض مع ما يقتضيه السلوك الديمقراطي المنتظر من حزب سياسي. حمادي الجبالي .. معركة الفساد غير جادة في قراءة لخطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد الأخير، أكّد رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي أنه «كان خطابًا شعبويًا أراد من خلاله أن يظهر الشاهد في صورة مسؤول الدولة الذي يعمل وحيدًا في حين أنّ الآخرين يقومون بالتشويش عليه» حسب تعبيره. ويضيف الجبالي أنه كان خطابًا متوتّرًا يكيل فيه التّهم لغيره ويحمّل فيه المسؤولية لوضعيّة ورثها عن الترويكا ومرتكزًا فيه فقط على الوعود. وعن الحرب المعلنة عن الفساد يقول الجبالي :»دعونا من الشعارات.. معركة الفساد غير جادّة ولا تقنع سوى الشخص العادي البسيط فأين محاربة الفساد في الوزارات في الديوانة وفي الإدارة؟ أين رؤوس الفساد الذين أفلسوا البنوك واقترضوا دون خلاص؟ أين الذين يمتنعون عن خلاص الجباية وأولئك الذين يستعملون أجهزة الفساد؟ هل هناك من تحاكم؟ وحتى الذين حوكموا قد خرجوا ولم يبق سوى شفيق الجراية الذي أعتقد جازمًا أنه سيطلق سراحه مع اقتراب الانتخابات.»