مستشار بمجلس نواب الشعب في إطار التوجّه الرّامي الى الإصلاح الهيكلي للجهاز الإداري لمجلس نواب الشعب، وسعيا الى دعم الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس وترسيخها تماهيا مع استقلاليته الوظيفية كسلطة تشريعية، واستنادا لمواد الدستور والنصوص القانونية ذات العلاقة، أصبح من الضروري إحداث نظام قانوني متكامل يدفع نحو تحديث الإدارة البرلمانية في اتجاه تعصيرها وتطويرها وفق المعايير الدولية حتى تتحقّق الجودة المرجوّة في الاداء بالتالي وتضمن المردودية الحسنة في ظل نظام ديمقراطي متطور. دعم مكانة الموظف البرلماني ويجدر الوقوف في البداية عند العوامل الرئيسية والأسباب الهامة التي تدعو إلى ضرورة إحداث هذا النظام القانوني والتنظيمي للجهاز الإداري للمجلس، المتمثل في سن نظام أساسي عام للوظيفة العمومية البرلمانية والأنظمة الأساسية لمختلف الأسلاك التابعة له ونظام مالي متخصص، وغيرها من النصوص الترتيبية التي تراعي خصوصية أعمال السلطة التشريعية. ولنا أن نشير في هذا الصدد الى أن الموظف البرلماني يعمل في محيط يفرض عليه الاتصال المباشر بعديد المتدخلين، بدء برئاسة المجلس والمكتب واللجان والكتل والنواب بمختلف انتماءاتهم (في الحكم وفي المعارضة ومستقلين) وصولا الى علاقته المباشرة بممثلي السلطة التنفيذية ( رئاسة الحكومة الوزارات والهيئات الدستورية المستقلة) . وقد اتّسم الواقع المعيش اليوم بانعدام القواعد القانونية الدقيقة التي تضبط هذه العلاقة، بالإضافة إلى تشتت توزيع الموظفين والأعوان بين عديد الأسلاك الإدارية، فمنهم من هم يخضع لأحكام الامر المنظم للسلك الإداري الخاص لمجلس النواب سابقا ومنهم من لا يزال يخضع لأحكام النصوص القانونية المنظمة للسلك الإداري المشترك للوظيفة العمومية. وينضاف الى هذه الوضعية بروز سلك جديد أفرزته التجربة التعددية الديمقراطية الجديدة ويتمثل في صنف مساعدي الكتل الذين تربطهم علاقة تعاقدية مع الكتل البرلمانية، إضافة الى مستشاري رئيس المجلس. ونتيجة لكل العوامل السالف ذكرها فإن مقر المجلس أصبح يحتوي خليطا متنوعا من المتدخلين والعاملين قد يحدث نوعا من الاحتكاك يصل إلى حد تداخل المهام فيما بينها، مما قد يتسبب في تجاوز الصلاحيات وتنازع الاختصاص ما دام لم توضح حدود ومجالات كل متدخل في النشاط البرلماني مما ينجر عنه اختلال في التوازن ويخلق حالة من الإرباك لا تخدم المصلحة العامة في شيء. اسناد متواصل لعمل المؤسسة كما ان النظام التوقيتي العام المعتمد حاليا (بنظام 48 ساعة في الأسبوع) لا يتماشى وخصوصيات العمل البرلماني، حيث أن الموظف البرلماني يتجاوز هذا الحد بكثير، نظرا لمتطلبات العمل ولضرورة بقائه على ذمّة الإدارة دون احترام التوقيت الإداري المعمول به ليبقى الموظف البرلماني في كل الحالات خير سند لعمل المؤسسة. وعلى مستوى اخر لا بد من تأكيد ما تتطلّبه الوظيفة البرلمانية من ضرورة تحمّل الموظف للمسؤولية وتميّزه بالحضور الذهني الدائم والتعامل بانتباه مع كل الوضعيات والظهور بمنظر لائق وأناقة دائمة لاتصاله المباشر بالمسؤولين الكبار في الدولة إضافة الى طبيعة الخدمات التي يقدّمها. وعليه فإن تأهيل الإدارة البرلمانية ومواكبة التطورات ذات العلاقة، وتجاوز النقائص يفرض بالضرورة إفراد السلطة التشريعية بنظام أساسي عام للوظيفة العمومية البرلمانية يكرس استقلالية موظفيه عن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، من أجل ضمان نجاعة العمل البرلماني بما يتماشى مع طبيعته الخاصة ويمكّن من وضع منوال تسيير جديد يكرّس مبدأ سلطة اتخاذ القرارات الإدارية صلب هياكل المجلس دون سواها وذلك من أجل ضمان الدقة والسرعة. كما سيظل هذا النظام الاساسي مكرّسا لمبدأ استقلالية السلطة التشريعية من خلال ضبط الحقوق والواجبات الخاصة بأعوان الوظيفة العمومية البرلمانية إلى جانب إحداث أسلاك إدارية وفنية خاصة وتجميع الأسلاك المتقاربة تحت نظام موحّد، وسن نظام رتب وأصناف خاصة بأعوان المجلس وإقرار نظام تأجيري خاص واعتماد آلية الانتداب عن طريق المناظرات دون سواه إحتراما لمبدأ المساواة. ويجمع الملاحظون من جهة اخرى على أن الايجابيات المأمولة تكمن في إرساء مبدأ الرقابة الذاتية على كافة الإجراءات المتعلقة بالحياة المهنية للأعوان، فضلا عن ضرورة وضع نظام تأديبي خاص يحدد الاعمال الموجبة للتأديب وتدرج العقوبات وتحديد الإجراءات التأديبية دون نسيان الجانب التحفيزي لمن يثبت جدارته وتميزه، وإقرار نظام خاص بالترقية والتدرج والتسمية في الخطط الوظيفية ولا شك في أن المصادقة على النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية البرلمانية في أقرب الآجال يعتبر إنجازا مهما لمجلس نواب الشعب والقائمين عليه في نهاية المدة النيابية ودافعا أساسيا ومحفزا للسلك الإداري، ومعزّزا للشعور بالانتماء إلى هذه المؤسسة التشريعية صاحبة السلطة الاولى والركيزة الأساسية لدولة القانون والمؤسسات.