اصدر لي مجمّع الأطرش لنشر الكتاب المختص وتوزيعه بدعم من مؤسّسة هانس زايدل الألمانيّة. كتاب « مدينة تونس قبل العهد الحفصي « ويدخل إصداره ضمن تظاهرة تونس عاصمة الثّقافة الإسلاميّة 2019. وقد تناولت فيه بالدّرس مراحل ميلاد عاصمة البلاد التّونسيّة، « تونس «. فبعد أن كانت مدينة صغيرة تدور في فلك قرطاجنّة في العصور القديمة، تحوّلت تونس بصفة سريعة إلى مدينة هامّة منذ الفتح الإسلامي لإفريقيّة في أواخر القرن 1 ه/7م. هذا التّطوّر جعلها تترشّح لرتبة عاصمة إفريقيّةَ في مناسبات عديدة، منافسة في ذلك القيروان والمهديّة، إلّا أنّها لم تَفُز في هذا الصّراع إلّا سنة 627/1230، تاريخ قيام الدّولة الحفصيّة. تَلَاحُقُ مختلف هذه المراحل يجعلنا نطرح عددا من التّساؤلات: بماذا نفسّر اكتساب مدينة تونس مثل هذه الأهمّيّة منذ الفتح الإسلامي ؟ وما هي الصّعوبات الّتي اعترضت سبيلها كي تصبح عاصمة لإفريقيّة في فترة مبكّرة ؟ هل اقتصرت منافستها للقيروان على النّاحيّة السّياسيّة ؟ أم أنّها برزت كذلك في ميادين أخرى ؟ كيف تطوّرت الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والعمرانيّة بمدينة تونس قبل قيام الدّولة الحفصيّة ؟ ليس من الهيّن الإجابة عن مختلف هذه التّساؤلات، لأنّ دراستنا ترتكز على فترة عاشت فيها تونس في ظلّ القيروان، وهذا يضعنا أمام مشكل يتعلّق بقلّة المادّة التّاريخيّة عنها، إذ أنّ المؤرّخين والجغرافيين المسلمين القدامى ركّزوا أخبارهم على القيروان. وإن وصلنا خبرٌ عن تونس، فيكون ذلك عموما بصفة عرضيّة وفي إطار الحديث عن القيروان ممّا جعل المؤرّخين المسلمين خاصّة بعد القرن 3 ه/9 م يتناقلون هذه الأخبار القليلة محاولين في ذلك تحليلها أو بالأحرى تأويلها مضيفين إليها بعض التّفاصيل تُثير الشّكّ في صحّتها. وإن اشتركت هذه المصادر في ضحالة أخبارها، وتناقلها لبعضها، فقد اختصّت من ناحيّة أخرى بالتّنوّع إذ يمكن تصنيفها إلى أربعة أنواع: كتب التّاريخ الكلاسيكيّة مثل كتاب البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عِذاري المراكشي، وكتب الجغرافيا والرّحلات مثل المسالك والممالك لأبي عُبيد البكري، وكتب طبقات علماء إفريقيّة مثل رياض النّفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية لأبي بكر المالكي، وكتب الفقه المالكي مثل النّوادر والزّيادات لابن أبي زيد القيرواني. أَثَّرَ هذا الوضعُ في الدّراسات المعاصرة الّتي تحاشت الحديث عن مدينة تونس في الفترة الّتي نهتمّ بها، واهتمّت بالمقابل أساسا بالعهد الحفصي مثل أطروحة عبد العزيز الدّولاتلي المتعلّقة بمدينة تونس في العهد الحفصي، وهي رائدة في هذا المجال، أو بفترة العهد العثماني مثل دراسات بول سباغ وأحمد السّعداوي، أو بفترة التّاريخ المعاصر مثل دراسات جاك ريفو. في فصل أوّل سنهتمّ بتطوّر الأوضاع السّياسيّة بمدينة تونس من فترة التّاريخ القديم إلى قيام الدّولة الحفصيّة سنة 627/1230؛ وفي فصل ثانٍ سنتحدّث عن تطوّر الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة بالمدينة، لنهتمّ في عنصر ثالث بتطوّر الأوضاع الثّقافيّة والعمرانيّة بها. يتبع