باشرت أمس الدائرة المختصّة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، النظر في ملف ما يعرف ب«مجموعة الانقاذ الوطني» المتّهمة بالتخطيط للانقلاب على الزعيم الحبيب بورقيبة. ثم قررت مواصلة المحاكمة في موعد لاحق. تونس «الشروق» وضمت هذه المجموعة 86 متضرّرا وشملت الأبحاث فيها 23 متهما من بينهم الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي ووزير الداخلية الاسبق الحبيب عمار وعدد من الكوادر الامنية ومن ضحايا المجموعة الرائد في الجيش الوطني محمد المنصوري الذي توفي تحت التعذيب بوزارة الداخلية سنة 1987. وبالمناداة على المتضررين سجلت المحكمة حضور عدد كبير منهم فيما تغيب آخرون بسبب الوفاة أو المرض. وقد حضر في حقهم محامون وطلب الاستاذ عبد الرؤوف العيادي إصدار بطاقات جلب في حق المنسوب إليهم الانتهاك الذين لم يحضروا الجلسة وهم الرئيس الاسبق بن علي المحال بحالة فرار وأكثر من 20 آخرين من بينهم الحبيب عمار، وزهير الرديسي وعبد الرحمان القاسمي شهر "بوكاسا" وعبد الله غرس ومحمد علي القنزوعي. وتدخلت الاستاذة منية بوعلي ولاحظت أن المنسوب إليهم الانتهاك لم يستوعبوا الدرس من العدالة الانتقالية ولم تكن لهم الجرأة لمواجهة الشعب التونسي والاعتراف بالأفعال التي ارتكبوها في حق المتضررين مشيرة الى أنها فرصة لهؤلاء " ليتطهروا" من الذنوب. شهادة جاء بإحدى شهادات المتضررين وهو العسكري عبد الحميد عباسي أنه ألقي عليه القبض بمنزله بنابل و تم استدراجه إلى ثكنة بوشوشة ثم تم توجيهه إلى ما يعرف بالمثلث الأمني العسكري بباب سعدون حيث تم استقباله من قبل أحد الضباط بإدارة الأمن العسكري مشيرا إلى أنه أساء معاملته لفظيا من خلال التهديد بأنه سيلاقي مصيرا مجهولا. و أضاف انه لم يقع إعلامه عن سبب تحويله إلى المثلث الامني العسكري وقد قضى هنالك حوالي يومين ثم نقل إلى ثكنة الجيش الوطني بالعوينة صحبة 5 عسكريين من بينهم محمد الناصر التيمومي وكمال الضيف وقال إنه في تلك الثكنة لم يتم اعلامه عن سبب جلبه وبقية المجموعة. ولاحظ أنهم لم يتعرضوا الى ممارسات مهينة هناك. لكن بعد أيام تم نقلهم من طرف أعوان تابعين لوزارة الداخلية بزي مدني إلى ادارة أمن الدولة. حيث بدأت عملية التعذيب وسوء المعاملة مشيرا إلى أن محاضر البحث كانت جاهزة وأجبر على الإمضاء عليها دون الإطلاع على فحواها. وبمزيد التحرير عليه أضاف المتضرر انه قضى قرابة الشهر بدهاليز وزارة الداخلية حيث تعرض الى شتى أنواع التعذيب والإهانة مما خلف له أضرارا جسيمة مادية ومعنوية وأجبر على الإمضاء على اعترافات لم يدل بها. وأوضح المتضرر أن أعمال البحث تمحورت حول معطيين الأول لاجباره على مسايرة الباحث والاعتراف بأن ما كانت تحضر له المجموعة لم يتم إلغاؤه بعد 7 نوفمبر 1987 إنما تم ارجاؤه وبأن المجموعة كانت تحضر لعمل ضد النظام السياسي الجديد اي نظام بن علي والمعطى الثاني هو إجباره وبقية زملائه على الاعتراف بالانتماء إلى حركة الاتجاه الإسلامي. وذكر المتضرر أنه في ما بعد أحيل على قاضي التحقيق العسكري ثم أودع بالسجن حيث تواصلت عمليات الهرسلة والقمع ضده وضد بقية المجموعة. ثم أجريت مفاوضات بين السلطة وممثلين عن مجموعة الموقوفين. وقد مثل الموقوفان كل من المرحوم المنصف بن سالم والصحبي العمري ومن جهة السلطة المرحوم أحمد القطاري مدير إدارة السجون آنذاك مشيرا الى انه قضى بالسجن عاما وخمسة أشهر و17 يوما وكان إطلاق سراحه بتاريخ 4 ماي 1989 دون محاكمة. ثم احيل على مجلس التأديب العسكري وتقرر عزله من الوظيف في مخالفة لما تم الاتفاق عليه خلال المفاوضات المذكورة مما اضطره إلى تربية الدواجن بمحل سكناه الجديد بالمنستير في تلك الفترة و بقي محل مراقبة. وذكر المتضرر انه تعرض الى المضايقة في كسب رزقه مما اضطره الى مغادرة البلاد إلى الجزائر. ثم توجه إلى السودان فسوريا ثم الدنمارك حيث يقيم حاليا. وفي جانب آخر من الشهادة اكد العسكري المتضرر أن تشكيه كان بغاية رد الاعتبار إليه و استرجاع كرامته التي مست وأهينت. وعبر عن استنكاره الشديد من عدم حضور المنسوب إليهم الانتهاك الجلسة قائلا إن غيابهم يزيد في معاناتهم المعنوية. وانتهى بالقول "لو يعطوني تونس الكل لن يعوضني ذلك شيء».