كانت مدينة تونس تزوّد القيروان، عاصمةَ إفريقيّة آنذاك، بفائض منتوجاتها الصّناعيّة، مثل الخزف، وبفائض منتوجاتها الفلاحيّة، خاصّة الغلال، والفواكه، وكذلك الحوت المصبّر، وربّما الملح أيضا. ومقابل ذلك، كانت تجلب من القيروان المنسوجات القيروانيّة، لاسيّما البُسط، وبعض المنتوجات الفلاحيّة، مثل التّمر المجلوب من الجّريد، والسّكّر القادم من المغرب الأقصى. نشطت أيضا التّجارة البحريّة بمدينة تونس، إذ من الممكن أنّ تونس كانت تزوّد القيروان بمنتوجات شرقيّة وربّما غربيّة، بفضل نشاطها التّجاري البحري. من جهته، أكّد روبار برنشفيك أنّ التّجارة البحريّة قد تركّزت بمدينة تونس منذ القرن 2 ه/8 م والقرن 3 ه/9 م. على أنّه لم يوضّح البلدان الّتي كانت تونس تتبادل معها تجاريّا. وبالعودة إلى اليعقوبي، ثمّ الاصطخري، يمكن أن نستنتج أنّ جزءا من هذا التّبادل البحري خلال القرنين 3 ه/9 م و4ه/10 م، كان يقع مع الأندلس. يقول اليعقوبي: «من أراد جزيرة الأندلس، نَفَذَ من القيروان إلى تونس». نشطت التّجارة البحريّة أيضا، حسب بول سيباغ، بين مدينة تونس ومصر، ومدن إيطاليا، وصقلّيّة، وبلاد السّودان. كان للزّحف الهلالي تأثير بالغ في التّجارة بإفريقيّة، ومن مظاهر ذلك أنّ مدينة تونس ورثت القيروان في عدد من الطّرقات التّجاريّة، فأصبحت تحيط بها شبكة كثيفة من الطّرقات، معنى ذلك أنّ التّجارة البرّيّة بالنّسبة إلى مدينة تونس مع داخل البلاد لم تتوقّف تماما آنذاك نعني في عهد بني خراسان. ويظهر أنّ جلّ معاملات المدينة التّجاريّة آنذاك كانت مركّزة على العرب البدو، «وجلّ معاملات أهلها مع ثقات العرب وأمرائها»، وبصفة أدقّ العرب الّذين يجاورون أرضها أي بني زياد الرّياحيين الّذين أقاموا بالمعلّقة. «والعرب تجاور أرضها، وتأتي بأنواع الحبوب إليها، والعسل، والسّمن، ما يكفي أهلها غدقا». كانت التّجارة البحريّة بمدينة تونس نشيطة أيضا آنذاك، إذ تحدّث الإدريسي عند وصفه لميناء حلق الواد، عن «المراكب الحمّالة» الّتي لا تستطيع العوم بمياه بحيرة تونس القصيرة، ممّا استوجب إفراغ حمولتها في زوارق صغيرة تقوم بإيصال هذه الحمولة إلى حدّ ميناء مدينة تونس. وكانت هذه التّجارة تُعقد مع العالم المسيحي. بل إنّ عبد الله بن خراسان بعث برسالة إلى رئيس أساقفة بيشة سنة 552/1157 تُحدّد شروط التّجارة بين المدينتين. واعتمادا على روبار برنشفيك «بدأت (تلك التّجارة) تعرف أهمّيّة حقيقيّة» منذ عهد بني خراسان. فقد كانت مدينة تونس تشتري الحبوب من العرب بكمّيّات هائلة، وتصدّرها نحو بلاد الرّوم. وفي صورة خلاف مع العرب، تتحوّل مدينة تونس إلى مورّدة للحبوب. وفي العهد الموحّدي، تواصل النّشاط التّجاري بين مدينة تونس والعالم المسيحي. بل يظهر أنّه توسّع أكثر آنذاك، وأصبح أكثر تنظيما بفضل الاتّفاقيّات الّتي أمضاها الخلفاء الموحّدون مع المدن – الدّول الإيطاليّة، وهو أهمّ ما جدّ على المستوى الاقتصادي في العهد الموحّدي. يتبع