يطير المنتخب اليوم إلى أرض «الفَراعنة» مُحمّلا بآمال الشّعب التونسي الذي يحلم باللّقب الإفريقي ليطرد الكَساد ويعيش فرحة كبيرة كتلك التي اجتاحت البلاد في ذلك اليوم المشهود من عام 2004. الكثيرون يقولون إن ما حَصل في 14 فيفري 2004 هو «إنجاز القَرن» ولن يكون من السّهل تكراره مرّتين بالنظر إلى قُوّة ذلك الجيل الذهبي من حيث المَهارة وبصفة خاصّة الروح الإنتصارية التي جعلت تونس تَتفوّق بالضّربة القاضية على نجوم السينغال ونيجيريا والمغرب وفيهم الحاج ضيوف و»أوكوشا» والشمّاخ... وقد تضاعفت قوّة أبطال 2004 بفضل اللّمسة الفنية ل»لومار» و»القيادة الحكيمة» لحمّودة بن عمّار الذي اشتغل في تناغم مع كلّ الجهات بداية بمرافق الفريق وُصولا إلى الوزير وقد نجح الرّجل إلى حدّ كبير في خلق منتخب لا مكان فيه لألوان الجمعيات ومُنفتح على الجميع وهذا ما تُؤكده التشكيلة التي أثّثها «لومار» بخِيرة المحليين وأحسن المُهاجرين ومعهم هؤلاء الذين اختاروا الدفاع عن المنتخب حُبّا في تونس وبحثا عن المجد كما هو شأن البرازيليينْ «سانطوس» و»كلايتون». أمّا العنصر الأبرز والأهمّ في وصفة النجاح فهو حتما الشّعب التونسي الذي احتلّ رادس برجاله ونسائه وأطفاله وشيوخه من أجل تلك اللّحظة التاريخية والتي يُطاردها المنتخب من عام 62 الشّاهد على أوّل ظهور لفريقنا الوطني في ال»كَان». اليوم وبعد 15 عاما على فرحة 2004 يُمكن التأكيد أن ذلك الإنجاز كان فعلا فريدا من نوعه ولا عَهد لنا بمِثله لكن هذا لا يَعني أبدا أن نَعيش على «الأطلال» ونكتفي ب»تمجيد» هذه الكأس إلى أن يأكلها الصدأ وتقتلها الوِحدة في خزينة الجامعة المُطالبة بأخذ العِبر والدروس من «ملحمة» 14 فيفري وإقناع الجيل الحالي بأنه قادر أيضا على فك «عُقدة» الدور ربع النهائي و»اصطياد» النّجمة الإفريقية الثانية. وقد لا نملك الآن مدرّبا بدهاء «لومار» ولا مسؤولا بحِكمة بن عمّار ولا «مُحاربين» من طينة الجزيري لكن لدينا جيلا شابا وطموحا (معدّل أعماره في حدود 24 عاما). ويضمّ المنتخب في نسخته الحالية العديد من العناصر الموهوبة والتي فنّدت من قبل «كِذبة» النُجومية وهوما وقف عليه الجميع عندما قَهرنا المغرب والجزائر في الدّورات الأخيرة من كأس افريقيا. ومن المُؤكد أن الأداء الكبير الذي أظهره منتخبنا في الفصل الأوّل من «كَان» 2017 والنِدية التي لعب بها أمام منتخبات عالمية مِثل البرتغال وإسبانيا وأخيرا كرواتيا يشكّلان دليلا قاطعا على أن تونس لها بَاع وذراع وتملك كلّ المُؤهلات للذهاب بعيدا في «كَان» مصر التي تشهد ملاعبها و»أهراماتها» على النّجاحات التي حَقّقتها الأقدام التونسية في ضيافة الأشقاء (فوز النجم برابطة الأبطال في القاهرة عام 2007 وتَتويج الترجي ب»السُوبر» الإفريقي والكأس العربية في 1995 و2017). ولاشك في أن الجيل الحالي سيبذل مجهودات تفوق امكاناته الحقيقية في سبيل تسديد «الدين» المُتخلّد بذمّته لفائدة الشعب التونسي الذي لم يُشف بعد من «كَابوس» المونديال بقيادة معلول والجريء المُراهن في الوقت الحالي على الفرنسي «جيراس» المُطالب بإستثمار هذه الفرصة الذهبية ليُهدينا اللّقب الغالي وحتى «يُنقذ» جولته الإفريقية الطويلة بمكسب يحفظه التاريخ ويُفنّد به الرأي القائل بأن الزميل السابق ل»بلاتيني» لاعب كَبير لكنّه مدرب «عَادي» إن لم نقل «فَاشل». ويبدو الحِمل أثقل على جامعة الكرة التي «استولت» على المنتخب دون تحقيق المطلوب في المُونديال وال»كَان» ولا حتّى في ال»شَان». ولا أحد يُنكر «حياة الرّفاهية» التي أصبح يعيشها الفريق الوطني في عهد الجريء المُستفيد من مليارات «الفيفا» ولا أحد يجحد القفزة التاريخية التي عرفها منتخبنا في الترتيب الدولي لكن هذه المكاسب «صَغيرة» ولا تُرضي أبدا الشعب الذي يريد اللّقب الإفريقي ويحلم بالوصول إلى الدّور الثاني من كأس العَالم. وستكون الكرة في مرمى اللاعبين والمدرب «جيراس» للعودة من مصر بالكأس والإنتصار لتاريخ تونس بعد أن تمّت الإساءة إليه على هامش حفل سحب قرعة ال»كَان» تحت سفح الأهرامات وهي من عجائب الدنيا السّبع. ومن يدري فقد تَنضاف إليها «مُعجزة» ثامنة بتوقيع تونس التي نالت شرف تحقيق أول انتصار للعرب والأفارقة في مونديال 78 بقيادة الشتالي العَارف مِثل الجميع بأن منتخبنا قادر على النجاح وتَكذيب التكهنات التي تضع مصر والمغرب والجزائر والسينغال في صدارة المرشحين لإحراز اللّقب. المَهمّة ستكون صعبة لكن الأماني مُمكنة.