سجل الدينار التونسي انتعاشة طفيفة مقارنة بالأورو منذ شهر مارس الفارط. حيث بلغ سعر صرف الأورو3.2465 دينار تونسيّا وفق مؤشر أسعار العملات. فهل ستستمر هذه الانتعاشة ويتواصل تحسن الدينار؟ تونس (الشروق) سجل سعر الصرف مؤخرا تحسنا ملموسا مقارنة بالأشهر الفارطة مما انعكس ايجابيا على السوق المحلية والاقتصاد الوطني عموما. ويعود ذلك الى المداخيل التي وفّرتها الدولة منذ بداية السنة الحالية والمتأتية من عملية التفويت في بنك الزيتونة والزيتونة تكافل بالعملة الأجنبية وكذلك حصول تونس على عدة قروض فضلا على توفر مداخيل متأتية من القطاع السياحي الا أن الأسباب التي أدت إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي لا تزال قائمة ومنها ارتفاع عجز الميزان التجاري وكذلك ارتفاع نسبة التضخم. أسباب الانتعاشة وفي هذا الاطار يرى معز العبيدي عضو مجلس التحاليل الاقتصادية وعضو سابق في مجلس ادارة البنك المركزي، أن الانتعاشة الطفيفة والاستقرار النسبي الذي عرفه الدينار التونسي يعود الى عدة عوامل لعل أبرزها الظرف الحالي الملائم نسبيا في البلاد نتيجة عدة أسباب منها حصول الشركة التونسية للكهرباء والغاز «الستاغ» على قرض بالعملة الصعبة بالإضافة الى تفويت الدولة في بعض المؤسسات المصادرة على غرار بنك «الزيتونة» و»الزيتونة تكافل» وارتفاع العائدات السياحية. وعن مدى استمرار هذه الانتعاشة الطفيفة للدينار التونسي أكد الخبير الاقتصادي أن الآفاق الايجابية لقطاع السياحة ونجاح الموسم السياحي تفيد بتواصل استقرار العملة التونسية في حال يوفر البنك المركزي هامشا لحمايتها. وتابع محدثنا أن مسألة تواصل انتعاشة الدينار التونسي ما بعد نهاية الموسم السياحي ترتبط «بمخرجات» الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة . وأضاف عضو مجلس التحاليل الاقتصادية معز العبيدي في تصريح ل«الشروق» أن الدينار التونسي استفاد من حالة الصرامة النقدية والقوانين المالية التي ساهمت في كبح ممارسات المضاربة التي يعتمدها عدد من المتعاملين الاقتصاديين وذلك عبر دفعهم الى استخدام مخزوناتهم الخاصة من العملة الصعبة بدلاً من اللجوء إلى الاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الواردات بالإضافة الى مؤشرات أخرى أدت الى تخفيف الضغط على الاحتياطي من العملة الصعبة وهدأ من المنحى التنازلي الذي شهده الدينار منذ سنة 2018 . وأكد نفس المصدر أن تعافي الدينار ولو بنسبة ضئيلة كان له الفضل في تجميد «سلوكات المضاربة» لبعض الشركات الموردة التي طالما أثرت سلبا على الدينار التونسي. وفسر أن تدهور قيمة الدينار تعود ايضا الى موجة المضاربة، المتمثلة في التوريد و»المفرط». وهوما يؤدي الى الضغط على الاحتياطي من العملة الصعبة. ولكن الاستقرار النسبي، الذي شهده الدينار التونسي مؤخرا يبرهن على أن الحل موجود ويكمن في الجرأة السياسية لاتخاذ قرارات تساهم في تحسين الأسس الاقتصادية. الاستمرار وعن استمرار انتعاشة الدينار ولوبنسبة بسيطة أكد العضو السابق في مجلس ادارة البنك المركزي أن هذا الاستمرار مرتبط بمدى مشاركة التونسيين في الانتخابات التي ستشهدها تونس في آخر سنة 2019 والنتائج التي ستفرزها بالإضافة الى مدى مصداقية الحكومة. وصرح العبيدي في هذا الصدد بأن قوة العملة وضعفها يرتبطان أساسا بهذه العوامل وخصوصا بعجز الميزان التجاري. ولتحقيق انتعاشة حقيقية للدينار التونسي، يقترح العبيدي حل مسألة العجز الجاري (الذي يمثل ثلث العجز التجاري) حيث بلغت نسبته 11.2 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في حين كانت نسبته سنة 2010 قرابة 4.08 بالمائة . بالإضافة الى اقرار العفو على الصرف مما يؤدي الى انعكاسه بشكل ايجابي جدا على الدينار التونسي مضيفا أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتخذها الحكومة مع اقتراب نهاية مدتها. وعموما يذكر المختصون أن من بين العوامل التي يجب أن تتطور لضمان انتعاشة الدينار هي تطوير تحويلات التونسيين بالخارج التي تعتبر من أضعف التحويلات في بلدان الدول العربية. حيث تمثل 1.9 مليار دولار أي ما يعادل 4.8 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في حين بلغت كلفة التحويل في مصر 20 مليار دولار أي بنسبة 6.4 بالمائة وفي لبنان 8 مليارات دولار بنسبة 15.1 بالمائة أما المغرب فقد بلغت 7.5 مليارات دولار. ويعود انخفاض التحويل الى ضعف الديبلوماسية التونسية الاقتصادية . محسن حسن وزير سابق وأستاذ جامعي في الاقتصاد ل «الشروق» ثوابت الاقتصاد الوطني مازالت سليمة أكّد الوزير السابق محسن حسن في تصريح ل»الشروق» أنه لو واصل البنك المركزي سياسته النقدية التقييدية وواصلت الحكومة تطبيق ما ورد في قانون المالية 2019 في مجال المالية العمومية لاستقر الدينار وارتفع تدريجيا، مضيفا أن الدينار يعكس وضعية الاقتصاد الوطني وصحته التي عرفت انتعاشة منذ شهر مارس 2019 خاصة مقابل اليورو. حيث سجل ارتفاعا ب 7.5 % مقابل الاورو. وأضاف محدثنا انه رغم الازمة الاقتصادية التي نعيشها الا أن هذا التحسن النسبي لسعر صرف الدينار يؤكد أن ثوابت الاقتصاد الوطني لازالت سليمة ويؤكد أن تونس قادرة على الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها . وحول الأسباب التي أدت الى ارتفاع صرف الدينار مقابل الاورو أكد الخبير الاقتصادي أن أسباب خارجية أو سوء وضعية سوق الصرف العالمية لها دور كبير. والدولار الامريكي واصل ارتفاعه أمام أهم العملات الأجنبية خاصة بعد التصريحات التي أكدت وجود «هدنة» بين الولاياتالمتحدة والصين في ما يتعلق بالحرب التجارية بينهما. وعندما يرتفع الدولار يقابله انخفاض اليورو في سوق الصرف العالمية مما أدى الى استقراره وبالاضافة الى الاسباب الخارجية تعود انتعاشة الدينار الى عوامل داخلية تتعلق بالسوق المحلية والوضع الداخلي والسبب الاول الذي يفسر هذا التطور النسبي هو ارتفاع الموارد من العملة الصعبة نتيجة عدة عوامل منها دخول موارد بالعملة الصعبة للبنك المركزي بعد حصول الشركة التونسية للكهرباء والغاز على قرض من البنك الدولي بالعملة الصعبة والتفويت في بنك الزيتونة والزيتونة تكافل لبنك استثماري قطري والترفيع في رأس مالهما بالعملة الصعبة. وهوما يعني دخول أموال من العملة الصعبة لتمويل هذه العمليات وارتفاع مداخيل القطاع السياحي. والسبب الثالث الذي يفسر الانتعاشة هوبداية جني ثمار السياسة التقييدية التي انتهجها البنك المركزي والتي قامت على الترفيع في مرات متعددة في نسبة الفائدة المديرية هذه السياسة أدت الى تراجع الطلب على القروض الاستهلاكية والاستثمار وبالتالي تخفيض الطلب على العملة الصعبة. وأكد محدثنا أنه رغم شح السيولة الذي يعرفه النظام البنكي التونسي ورغم الوضع الاقتصادي الصعب نستطيع القول إن سوق الصرف في تونس يعرف بداية انتعاشة والدينار التونسي بدا يتجه نحو استرجاع قيمته التي فقدها في الأشهر الفارطة ولتواصل هذا المنحى الإيجابي على مستوى الصرف مرتبط بالوضع السياسي. فلو تم تأجيل الانتخابات اقتصاديا ستكون له عواقب وخيمة لأن شركاءنا الاقتصاديين في العالم يطلبون نجاح المسار الديمقراطي ذلك ان تنظيم الانتخابات في موعدها يعد مؤشرا ايجابيا لتواصل الانتعاشة.