«عجرودة» أم صابة لا يفرح الفلاح ولا يستفيد المواطن ولا ينتعش الاقتصاد الوطني... صورة للأسف قاتمة عن بلد فلاحي بامتياز تتواصل فيه أزمات الوفرة... فإلى أين؟ تونس (الشروق) ليست المرة الاولى ولا أحسبها الاخيرة التي تتناول فيها «الشروق» أزمة وفرة الانتاج في قطاعات حساسة جدا ومهمة جدا على غرار قطاع الحبوب والطماطم والغلال والحليب والالبان والدواجن ...فلاحون يصرخون بأن خسائرهم كبيرة لكنهم بالانتاج متمسكون فهل يجازى من يعمل بالتجاهل والتجاهل أم بايجاد الحلول؟ وفرة الحبوب يعيش القطاع الفلاحي حاليا على وقع أزمة وفرة الحبوب ومنذ بداية الموسم وآخرها امس بولاية الكاف وصراخهم يتعالى خاصة في الجهات المنتجة بسبب اتلاف كميات كبيرة عوض الحرص على جمعها ومن العوامل المساهمة في ذلك خوصصة عملية التجميع وعدم توفر النقل وكثرة الحرائق ولكن يوجد عامل آخر وهو ان الدولة التونسية افترضت ان تأثير التغيرات المناخية على انتاج الحبوب ببلادنا لن يمكننا من الصابة المأمولة وبالتالي كانت استعداداتهم على قدر سوء تقديراتهم فيكفي ما لدينا من اماكن للخزن ويكفي ما لدينا من شاحنات فضلا عن سوء الاهتمام بتهيئة المسالك الفلاحية وحسر الاراضي المزروعة. مشاكل تجميع الحبوب دفعت برئيس الحكومة يوسف الشاهد الى الاشراف على اجتماع خلية متابعة سير موسم الحصاد وتجميع الحبوب وخزنها، بحضور وزراء الدفاع والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والنقل والتجارة حيث شدد على ضرورة استغلال جميع الإمكانيات المتوفرة وإحكام التصرف في أسطول النقل بمختلف الوسائل المتاحة من سكك حديدية وشركات النقل وشاحنات الجيش الوطني لتحويل كل الكميات المجمّعة إلى المخازن والخزانات المحورية، مؤكدا على ضرورة التنسيق وتظافر جهود جميع الأطراف المتدخلة لتأمين تجميع صابة الحبوب ونقلها وخزنها في أفضل الظروف. تدخل الجيش وفي ظل ما عرفته عملية تجميع الحبوب من مشاكل أضجرت الفلاحين تدخلت وزارة الدفاع الوطني بتسخير الوسائل العسكرية ومساهمة الجيش الوطني في نقل محاصيل الحبوب للموسم الفلاحي 2019 وقد تم إلى حدّ أول امس نقل 1900 طن من الحبوب ولا تزال هذه العملية متواصلة إلى نهاية موسم الحصاد، وهي بادرة ثمنها الفلاحون بل دفعتهم الى تقديم اقتراح تسخير شاحنات الجيش الوطني لنقل صابة الحبوب وتخزينها في الثكنات العسكرية ، خاصة بعد تصريح وزير الفلاحة بان طاقة التخزين لا تتعدى ربع الصابة. سوء الاستغلال أكّد عبدالخالق العجلاني عضوالمكتب التنفيذي المكلف بما بعد الانتاج في تصريح سابق ل:«الشروق» وجود سوء استغلال لوفرة الانتاج ببلادنا لجميع المنتوجات التي تحقق وفرة حد الفائض على غرار المشمش والخوخ والقوارص الحليب والطماطم وهي منتوجات عرفت تاريخيا محطات مؤسفة جدا تتمثل في الالقاء بكميات هامة منها على الطرقات لان الفلاح لم يجد السعر المناسب لبيعها وتعويض التكاليف المرتفعة للانتاج. واعتبر محدثنا ان تجفيف المنتوج من الحلول الاساسية لمجابهة مشكل الوفرة وان الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري نظم بالتعاون مع وكالة التعاون الالماني دورات تكوينية للمنتجين لاسيما وان المغرب هي سوق واعدة للتصدير. واكد ان الدولة ملزمة بتمويل مجامع فلاحين او شركات تعاونية وبعث وحدات للتحويل في مناطق الانتاج الى مربى أو عصير. وذكر في نفس السياق ان انتاجنا من هذه المادة الغذائية بلغ 37 الف طن وهي نفس كميات السنة الماضية لكن مازاد الطين بلة هو قرار وزارة التجارة فرض رخصة التوريد الى ليبيا والجزائر وسوء تقديرها للعواقب التي خلفها على المنتجين. وفي سياق الحلول أضاف انه من نتائج البحث الذي قمنا به للتصرف في الوفرة ان الدولة ملزمة بتمويل مجامع فلاحين او شركات تعاونية وبعث وحدات للتحويل في مناطق الانتاج الى مربى او عصير. واشار الى ان الصناعات الغذائية يجب ان تكون تابعة لوزارة الفلاحة لانها التي تشرف على الانتاج والمنتجين وقادرة على بعث الوحدات اللازمة والمطلوبة. وخلص الى القول :«سجلنا خلال هذا الموسم زيادة ب17 بالمائة في اللوز والعوينة والخوخ أي في حدود 180 الف طن وان لم يتم إلغاء الترخيص المسبق سوف يحدث ماعانيناه مع المشمش». عبداللطيف بوفايد فلاح ونقابي سابق ل«الشروق» نحتاج إلى الجمع بين المنتج والمجمّع والمصدّر والمحوّل قال الفلاح والنقابي السابق عبداللطيف بوفايد ل«الشروق» ان من أهم مشاغل المنتج الفلاحي التونسي هو غياب تسويق منتوجاته الفلاحية حيث أنه يعمل جاهدا للرفع من مردودية مستغلته الفلاحية وهذا هو المنشود ولكن في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطن الذي لم يعد قادرا على مجابهة الأسعار المتلاعب بها من قبل الوسطاء الذين أفرزتهم عدة عوامل أهمها غياب الدولة على مستوى الإنتاج لإعطاء نموذج يحتذى به في كل القطاع. وقدم كمثال قطاع اللحوم الذي شهد ارتفاعا مشطا في الأسعار في ظل وجود هيكل حكومي يفترض أن يكون قادرا على التدخل والمتمثل بالأساس في شركة اللحوم. واشار الى انه كان جديرا بالدولة أن تقيد الامتيازات الممنوحة للمصانع المنتصبة بالجهات ذات التميز الجبائي خاصة منها الصناعات الغذائية وكان حريا بها أن تلزمهم بإبرام عقود إنتاج مع المنتجين مؤكدا ان هؤلاء أبدوا منذ عقود من الزمن رغبة في ذلك على غرار منتجي الطماطم والذين رغم تعرضهم للاستغلال على مستوى الثمن وطريقة الخلاص إلا أنهم متمسكون بذلك فلا خيار لهم. وأضاف كما لا يجب ان نقصي المصدرين الذين يعلمون جيدا مميزات منتوجاتنا الفلاحية بكل أنواعها ولكن غياب المجهودات والإرادة والاقتصار على الزيت والتمور والقوارص وبعض منتوجات البحر كل هذا ممتاز ولكن لم يكن أبدا كافيا دون أن ننسى القوانين والأوامر الوزارية التي تطفو على السطح أحيانا المعطلة للمجهودات الفردية لتصدير منتوجاتنا الفلاحية إلى الشقيقتين ليبيا والجزائر والحال أننا نتطلع إلى بناء صرحنا المغاربي قبل أن يكون سياسيا فيجب أن يكون اقتصاديا بالأساس دون أن نقصي أبدا تخلي المواطن التونسي عن العديد من عاداتنا الغذائية كاستعمال الطماطم الطازجة في الطبخ والابتعاد عن المصبرات وصنع مربى الفواكه المنزلي. وخلص الى القول بان كلها عوامل مشتركة ساهمت في ما يظهر لنا بأنها وفرة في الإنتاج ولكن غياب الاستهلاك والاستغلال الأمثل كان وراء ذلك وسنظل نشد على أيادي الفلاحين الذين يعملون غير عابئين لا ببرودة الطقس ولا بحرارته يعملون جنبا إلى جنب مع شركائهم من العمّال والعاملات لينعم الشعب التونسي بخيرات بلاده. وختم بانه واقع يملي علينا إعادة خلق جيل جديد ضمن شبكة عنكبوتية تجمع بين المنتج والمجمع والمصدر والمحول إنه ذلك الجيل من الشباب العاطل عن العمل والذي نعده مستقبلنا وأملنا.