إن صدام حسين لا يعتبر رقعة الأرض التي يقف عليها في العراق هي غاية الأمل من النضال. فهذه الرقعة من الأرض هي جزء من ارض أوسع وأرحب منها، هي الوطن العربي كله. ومن هنا فان شعب العراق ليس سوى جزء من شعبه الكبير الذي يبلغ تعداده في ذلك الوقت، أكثر من مائة وخمسين مليونا من البشر. ان التجزئة حالة غير طبيعية ويجب ان تنتهي الى الوحدة. غير ان صدام حسين يبدو في حديثه عن الوحدة هنا واقعيا وعمليا أكثر من اي وقت مضى إذ يقول، هذه المرة يجب ان لا يسقط العمل الوحدوي من الحساب عاملين أساسيين هما : العامل الاقتصادي بحركته ودوره المؤثرين في هدف الوحدة ، والعامل الثاني هو التأثير المتبادل بين نضالنا القومي واتجاهات وحركة السياسة الدولية. والمقصود بالعامل الأول هو خلق المصالح والمنافع المتبادلة بين مواطني الأقطار العربية المختلفة من خلال الصلات الاقتصادية بين هذه الأقطار ويصبح النضال الوحدوي على هذا الأساس نضالا من اجل المصالح الى جانب انه نضال من اجل المبادئ والمقصود بالعامل الثاني هو عدم إغفال المصاعب التي يمكن ان تواجه الوحدة على النطاق الدولي وفي نفس الوقت التنبيه الى إمكانية التقاء استراتيجية بعض مراكز الاستقطاب الدولي مع استراتيجية النضال الوحدوي. ان هذا التصور له مقتضياته في السلوك الدولي العملي وفي حجم وثقل ودرجة ومدى العلاقة بين العراق والدول الأخرى، ومن هنا حرص صدام على ان تكون علاقة العراق مع فرنسا ذات صيغ متميزة. لأن فرنسا كما قدّر صدام، سوف تلعب دورا أساسيا وربما حاسما في وحدة اوروبا. فإذا كانت فرنسا تمثل مركز الثقل في علاقة العراق بأوروبا، فان صدام حسين يقول أيضا «علينا ان لا نسقط من حسابنا دور الصين في السياسة الدولية ذلك الدور الذي لم يبرز حتى الآن بما يتناسب وحجم الصين لاعتبارات معروفة يقع في المقدمة منها تخلفها تقنيا بالقياس إلى الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وبعض دول اوروبا الغربية واليابان...الا ان الحالة ستتغير كثيرا في السنوات القادمة وستلعب بعض دول اوروبا وربما اليابان ضمن حدود محسوبة دورا مهما في عملية التطور التقني للصين..غير ان صدام حسين يولي اهتماما للدور الذي يمكن ان تلعبه اليابان وللموقع المؤثر الذي يمكن ان تحتله – في عملية التكون للأقطاب الجديدة – في جنوب شرق آسيا والذي سوف يزداد تأثيره كلما اقتربت اليابان من القناعة بدخول باب تصنيع أسلحة استراتيجية معينة. سوف تكون قادرة خلال سنوات قليلة على ان تصل الى مستوى عال ومتطور من القدرة على التسليح سواء في المجال الالكتروني او في مجال استخدام الذرة...ولكن كيف يمكن لليابان ان تلعب هذا الدور في ميدان صناعة الأسلحة في ظل القبضة الأمريكية على توجهاتها المحتملة ازاء هذا الميدان بعد اندحارها في الحرب العالمية الثانية؟ صدام حسين يقدم تصورا مختلفا : (ان احد العوامل الأساسية التي ستقود الى احتمال توجه اليابان الى التسلح وعلى نطاق واسع هو تطور حاجتها الى تامين خطوط مواصلاتها باعتبارها تستورد كل مستلزمات الصناعة من المواد الاولية والطاقة بالإضافة الى التطورات والاعتبارات الأخرى في السياسة الدولية ان عملية التكون في السياسة الدولية بما في ذلك ما يحصل في جنوب شرقي اسيا وظهور الصين كقوة ذات ثقل إضافي عدا عن وجود تأثيرات السوفييت في تلك المنطقة تجعل من الممكن مع قدر من المرونة والمناورة ومن اكثر من جهة من ضمنها اليابان نفسها ان تصبح التأثيرات الأمريكية والضغط الأمريكي على اليابان اقل وطأة في حساب السنوات القريبة القادمة... إذن فعند صدام حسين ان حجم العلاقة الدولية بين العراق ودولة أخرى وثقلها ومداها يرتبط بقضيتين : المصالح المشتركة و مستوى واتجاه التقاء او تفاعل الاستراتيجيات انطلاقا من تصور مستقبل العراق من جانب بحركته الذاتية ضمن المجتمع الدولي والمنطقة العربية وتصور مستقبل البلد او البلدان الأخرى التي تشكل الطرف الثاني في العلاقة وحركتها وتأثيرها ضمن المجتمع الدولي من جانب آخر وعلى هذا الأساس فانه اذا كان يطالب بالعلاقات الطيبة مع دول العالم اجمع فانه يلح على محاولة التأثير على مراكز الاستقطاب الجديد بل وعلى الدول التي سوف تلعب في هذه المراكز دورا متميزا بشكل خاص. فالتعامل مع فرنسا يختلف عن التعامل مع ألمانيا الغربية و انقلترا وايطاليا على سبيل المثال والتعامل مع الاتحاد السوفيتي يختلف عن التعامل مع بولونيا او المجر او بلغاريا كمثال آخر. يتبع