أُجبر البكر على ارتداء ملابسه وقيل إن القوات التي هاجمت قصر الرئيس تدفقت عليه من الباب الرئيسي القريب من بوابة القصر الجمهوري. واقتيد الى مبنى المجلس الوطني، حيث اصطحبه صدام وبرزان إلى دار الإذاعة والتلفزيون في الصالحية، التي كانت قد جرى تجهيزها لكي يعلن خطاب التنحي، حسب الخطة المرسومة. وظهر الرئيس البكر وهو زائغ النظرات يتلفت نحو اليمين واليسار ويحاول السيطرة على أعصابه، ويغمره خوف شديد، و بالكاد تخرج الكلمات من فمه وتلعثم كثيرا في نطق الحروف حتى ملامح وجهه تغيرت، واضطر أكثر من مرة إلى بلع ريقه من الخوف، إذ على الأغلب يعلم الطرق الثورية التي أنهت حياة الرفاق، والتي تنتظره أيضا، إذ أن قواعد اللعبة لا ترحم أحدا. حتى حان وقت الكلام، فقال : «منذ فترة ليست بالقصيرة كنت أحدث رفاقي في القيادة عن حالتي الصحية التي لم تعد تسمح لي بتحمل المسؤوليات». ثم قال وهو في قمة الارتباك: «وإنني أهنّئ الأخ والرفيق صدام على تحمله شرف المسؤولية في قيادة الحزب والثورة». وغادر البكر مبنى التلفزيون بصحبة الاثنين ولم ينطق بحرف آخر. ولاشك ان شعور السيد النائب مزيج من الراحة والترقب الحذر، إذ كان عليه مراقبة ردود الأفعال. في حين ان الرئيس البكر كان في حالة يرثى لها، يحمل غصته في قلبه من غدر النائب له، وينتظر النهاية. استلم صدام حسين السلطة في 17 جويلية 1979م، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ العراق. وفي 22 منه وفي قاعة الخلد عُقد المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي مع التأكيد على حضور جميع الكادر المتقدم دون أي استثناء. كان يوما مشهودا في تاريخ العراق. في هذا اليوم تحدد مصير العراق. اعتلى صدام حسين خشبة مسرح القاعة تحت وابل لا ينقطع من التصفيق، وخلفه مرافقه الشخصي صباح مرزه. وقف صدام حسين برهة ينظر إلى الحاضرين وطلب منهم ترديد القسم معه، وقال (أمة عربية واحدة) وردد الباقين (ذات رسالة خالدة). قال وهو يوزع نظراته للحاضرين بحدة «الرفاق أعضاء المكاتب الحزبية والفروع والشعب. والمتغيب من أعضاء المكاتب والفروع والشعب المسؤول عنهم يقول لنا من هو المتغيب منهم. ساد الصمت في القاعة، و أضاف: «إذن الجميع حاضرين». ثم انطلق في خطابه: «رفاق كنا نتمنى أن نحضر معكم احتفالات شهر تموز/ جويلية. وعقدنا هذا الاجتماع الاستثنائي لكي يقتصر حديثنا على الجوانب المشرقة من تاريخ حزبكم، وعلى الأخص قيمكم النبيلة في مسيرة حزبكم. وأردف قائلا: «ولكن من المؤسف حقا أن يكون لقاؤنا بكم في هذه المناسبة لا يقتصر على الحديث في هذا الموضوع وإنما يتعداه الى الجوانب السلبية والنقاط المظلمة في عقول الخونة والمتآمرين.» وضع صدام يديه خلف ظهره واخذ يوزع نظراته في كل أرجاء القاعة وهو يقول :» انا اعرف انها ستكون صدمة نفسية عليكم ولكن عليكم ان لا تنسوا حقيقة مركزية ان الثورة التي تريد ان تنقل الشعب من حال الى حال وتأخذ على عاتقها دور الامة العربية لطرد الاستعمار والاستغلال والظلم فلابد توقع المؤامرة عليها . بما في ذلك اناس من المنتسبين لها .» وساد الصمت في القاعة مرة اخرى لا احد يعرف ما يحصل، والجميع لاحظ التواجد المكثف للقوات الخاصة خارج القاعة واعضاء المخابرات العراقية بلباسهم المميز (السفاري) والكثيف داخل القاعة . صمت صدام ثواني… ثم قال: «كانت القيادة ومن فترة لاحقة من الزمن، وعلى وجه الخصوص منذ خمسة اشهر تتابع التخريب الذي يقوم به بعض الخونة في داخل القيادة مع آخرين متواجدين الان في صفوفكم. ورغم التنبيه والإشارات في اجتماعات القيادة وفي مناسبات شتى و(يشيل رجله) من خط التآمر والتخريب مع ذلك بذلت القيادة صبرا خاصا لكي تجعل المتآمرين يأخذون مداهم والذي يجعل القيادة كلها (تشوف بعيونها) وتلمس بنفسها هذا التآمر .. وهذه الخسة». (يتبع)