توزّعت جولات المترشحين للانتخابات الرئاسية بمناسبة حملاتهم الانتخابية بين مناطق عديدة من البلاد غير أن تركيز أغلبهم كان على جهات معينة. تونس (الشروق) تاريخيا عُرفت الأحزاب التونسية بتنوع حضورها وتوزيعها على مختلف جهات البلاد وهو ما ينطبق على اغلب الأحزاب والتيارات السياسية التي يمتد وجودها منذ فترة الاستعمار مرورا بالاستقلال وصولا الى سنة 2011. غير أنه بعد 2011 طرأت تغييرات على خارطة التوزيع الجغرافي للأحزاب خاصة في ظل التعددية والحرية الحزبية. فحركة النهضة التي لم تكن تظهر على الخارطة الحزبية الجغرافية اكتسحت بقوة عديد الجهات منذ 2011 الى اليوم. كما استرجعت أحزاب اليسار حريتها التامة وقوتها في مختلف المناطق بعد أن عُرفت تاريخيا بالهيمنة على مناطق الحوض المنجمي ومناطق الشمال الغربي. وبالنسبة لأحزاب الطيف الدستوري التي عُرفت تاريخيا بتواجدها القوي في جهات الساحل وفي العاصمة تونس فقد فقدت نسبيا هذا "البريق الجهوي" حيث تشتتت خصوصا بعد حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي لكن وقعت المحافظة على روح هذا الطيف وعلى صورة زعيمه بورقيبة على الأقل بجهة المنستير التي أصبحت تمثل قبلة لعديد السياسيين ممن يدّعون تبنيهم للفكر الدستوري البورقيبي.. كل ذلك أدى إلى توزيع جغرافي جديد للأحزاب و توزيع جغرافي جديد للأنصار وللخزان الانتخابي لكل حزب.. وانعكس ذلك على زيارات المترشحين بمناسبة حملاتهم الانتخابية الأخيرة من خلال محاولة كل منهم البحث عن شرعية جديدة. النهضة كشفت نتائج انتخابات 2014 أن النهضة استفادت كثيرا من الخزان الانتخابي للجنوب الشرقي وذلك لسبب رئيسي يتمثل في طبيعة المجتمع في هذه المنطقة المحافظة المتحسّسة للخطاب ذي الصبغة الدينية، وهو ما اتضح بمناسبة الانتخابات التشريعية وأيضا بمناسبة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية عندما حصد منصف المرزوقي الذي دعمته النهضة آنذاك عددا هاما من الأصوات في هذه المنطقة امام منافسه الباجي قائد السبسي. ويتوقع المتابعون أن تواصل النهضة الاستفادة من هذا التوجه في الانتخابات الرئاسية الحالية بالنسبة لمرشحها عبد الفتاح مورو وهو ما ينطبق أيضا على منصف المرزوقي الذي يعول بدوره على مناطق الجنوب لا سيما المنطقة التي ينحدر منها ( قبلي ودوز). ويقول مختصون ان بعض مناطق الجنوب عُرفت تاريخيا أيضا بمعارضتها المستمرة للدولة أو ما يعرف بالمنظومة ( le système) وهو ما قد ينعكس أيضا بمناسبة هذه الانتخابات من خلال التصويت العقابي ضد بعض المترشحين. الوسط... الدساترة واليسار كشفت خارطة نتائج انتخابات 2014 أيضا ان نداء تونس حصد اغلب الأصوات في مناطق الوسط على غرار القيروان والقصرين وسيدي بوزيد ( شق الندائيين اليسار والقوميين وعدد من الدساترة) والشمال الشرقي والغربي (شق الندائيين اليسار والشق النقابي )وتونس الكبرى والساحل ( الندائيين الدساترة وبعض النقابيين ) والوطن القبلي وزغوان وصفاقس (مختلف الألوان السياسية) . . وهو أمر مفهوم بما أن النداء ضم آنذاك أطيافا سياسية عديدة تمثل الدساترة واليسار والقوميين وهي ألوان سياسية كانت دائما تسجل حضورها تاريخيا في هذه المناطق. كما أن الجبهة الشعبية ومرشحها حمة الهمامي تمكنت بدورها في انتخابات 2014 من نيل أصوات جانب كبير من منطقة الحوض المنجمي والشمال الغربي والتي كما سبق الذكر عرفت تاريخيا بوجود اللون اليساري فيها أكثر من غيرها وهو ما مكنه ومكن الجبهة الشعبية من نتائج محترمة. انتخابات 2019 منذ بدء الحملة الانتخابية يوم 2 سبتمبر الجاري، تنوعت خيارات المترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها للمناطق التي ترددوا عليها وذلك بحثا منهم عن أكبر عدد ممكن من الخزان الانتخابي. فهل كانت زياراتهم في إطار ما عرف من توزيع جغرافي تاريخي للأحزاب أم أنهم اصبحوا يأخذون بعين الاعتبار متطلبات جديدة؟ من المنتظر ان تحافظ خارطة نتائج انتخابات 2019 على التوزيع نفسه الذي تم تسجيله في انتخابات 2011 و2014 . فالنهضة ما زالت تحافظ على وجودها القوي في جهات الجنوب الشرقي وهو ما يخدم مصلحة مرشحها عبد الفتاح مورو. والمرشح منصف المرزوقي مازال محافظا على خزان انتخابي هام بجهات الجنوب أيضا، وقد حرص كلا المترشحين على زيارة هذه المناطق في حملتيهما لدعم حظوظهما هناك.. وبالنسبة لمرشحي الأحزاب اليسارية فان تعويلهم سيتواصل على المناطق التي عرفت تاريخيا بتواجد مكثف لليسار فيها على غرار الحوض المنجمي وبعض مناطق الشمال الغربي، وهو ما يفسر الزيارات التي حرص على أدائها مرشحو اليسار حمة الهمامي ومنجي الرحوي وعبيد البريكي الى تلك المناطق. وبالنسبة لجهة الساحل التي عرفت تاريخيا بوجود مكثف للعائلة الدستورية البورقيبية فهي ستمثل أيضا اليوم خزانا انتخابيا هاما للمترشحين الذين أعلنوا تبنيهم هذا الفكر على غرار يوسف الشاهد ومحسن مرزوق لكن دون ان ننسى عبد الكريم الزبيدي ومهدي جمعة اللذين ينحدران من هذه المنطقة ومحسوبي-ن على الطيف الدستوري والبورقيبي وكذلك عبير موسي التي تمثل امتدادا لهذا الفكر من خلال انتمائها سابقا للتجمع الدستوري الديمقراطي. نبيل القروي والبعد الاجتماعي في ظل المتطلبات الجديدة للممارسة السياسية وللوعود الانتخابية، يمكن القول ان اللون السياسي الجهوي، رغم أهميته في دعم مترشح دون غيره إلا أن البعد الاجتماعي سيكون بدوره محددا بارزا في هذه الانتخابات. فعديد الجهات والاحياء الشعبية بالعاصمة وبالمدن الكبرى لم تعد تهتم كثيرا للايديولوجيا الحزبية واصبح همها الوحيد حزب او مترشح يساعدها على تحسين أوضاعها الاجتماعية والمعيشية. وهو خزان وطني يتوزع على كل الجهات وسبق ان استفاد منه كثيرا المترشح نبيل القروي عندما اقترب منه وقدم له المساعدات المختلفة على مدى السنوات الماضية وهو ما سيعول عليه يوم التصويت. كما سبق ان استفاد منه الهاشمي الحامدي في انتخابات 2011 و2014. غير ان هذا البعد يمكن أن ينطبق على عدد من المترشحين ممن زاروا هذه الجهات والاحياء الأقل حظا وخاطبوا الناخبين هناك بوعود تتعلق بوضعهم الاجتماعي ( الفقر – البطالة – موارد الرزق) ووضع البنية التحتية في مناطقهم.