كل من هم في سنّي ومن أبناء جيلي والأجيال السابقة لا شكّ أنهم يتذكّرون أن أولياءنا لم يكونوا يلحون على أن نقوم بواجباتنا المدرسية إلا نادرا، ذلك أن الأمور كانت تسير بصورة عادية كالأكل والشرب والنوم وبالرغم من الظروف القاسية التي كنا نعيشها والمتمثلة في الفقر والخصاصة وقلة ذات اليد والأب العاطل عن العمل والأمراض المتفشية، فإن لا شيء من كل ذلك يمنعنا من إنجاز الفروض التي يأمرنا المعلم بها وحفظ المحفوظات ومراجعة درس القراءة قل الذهاب الى النوم، وكان التلميذ في ذلك العهد يساعده أحد أفراد العائلة على انجاز دروسه وهو لا يحسن القراءة والكتابة وذلك بعرض الدرس أو المحفوظات عليه وأحيانا يمسك الكتاب أو الكراس مقلوبا. ولم نكن تكتفي بما نقوم به من واجبات في المنزل بل إننا نغادر بيوتنا في ساعة مبكرة لنلتقي أمام المدرسة ونواصل المراجعة ونصلح الأخطاء حتى ندخل القسم مطمئنين في حين مسرورين مستعدين لإنجاز فروض اليوم الموالي. أما الامتحان فكان أيضا شيئا عاديا بالنسبة لنا حيث أننا كنا نعرف النتائج مسبقا كل حسب اجتهاده. أما أولياء اليوم فإن شغلهم الشاغل هو العطلة و»الويكاند» والسيارة الشعبية وآخر الموديلات من الألبسة والعطورات، والبيتزا والرحلات والسلع المفقودة من السوق. ومن حين لآخر يسأل الأب ابنه : «قريتش دروسك»؟.. وتقول الأم لابنها أو ابنتها : «اعمل دروسك قبل ما ترقد». ويتظاهر الأبناء بالقيام بواجباتهم وهم لا يفعلون خاصة وأن البيت العائلي أصبح يحتوي على كل المرافق الضرورية منها والكمالية وعوض المراجعة والمطالعة يقضي الإبن أو البنت الوقت في العبث بتلك الآفة المسماة بالبورطابل أو اللعب بالحاسوب والسهر بين مختلف الفضائيات التلفزية حتى ساعة متأخرة من الليل. وعندما تقترب مواعيد الامتحانات تعمّ حالة الطوارئ كل البيوت، وينكبّ التلاميذ على مراجعة الدروس التي تلقوها طيلة أشهر العام الدراسي في مدة قصيرة لا تكفي لاستيعاب برنامج سنة كاملة ويجتهد الأولياء في البحث عمّن يعطي دروسا خصوصية لأبنائهم وتكثر الوعود بتقديم الهدايا الثمينة والسفر الى الخارج في صورة النجاح ويكثر التهديد والوعيد بتسليط العقاب الشديد في صورة الرسوب والفشل.. وهكذا يصبح الامتحان وحشا يخافه كل التلاميذ والحال أنه اختبار وتقييم لعمل شاق وطويل لم يقوموا به في الإبان، لأن أحاديث التلاميذ وحواراتهم في الحافلة والمترو وأمام المدارس والمعاهد وحتى داخل البيوت تدور عن هذا المسلسل أو تلك المباراة وضعف التحكيم وضربة الجزاء الضائعة، وأحيانا أستمع الى بعضهم يتحدثون عن مباراة في كرة القدم وعن اللاعبين وكأنهم يحللون موضوعا فلسفيا اضافة الى استعمال الهاتف الجوال في مكالمات تافهة والبحث عن ال Appel وال Message وقلّ أن تجد أحدهم يمسك كتابا أو مجلة أو صحيفة ثم يعمّ الخوف من الفشل مع اقتراب مواعيد الامتحانات مثل طالب الفلسفة الذي دفعه الخوف الى محاولة الانتحار في السنة الجامعية الماضية في الساعات الأخيرة قبل الاعلان عن نتائج السداسي الأول!